يعود جدل “نزع السلاح” مرة أخرى إلى الساحة السياسية بلبنان، مع رفض “حزب الله” أي نقاش أو تفاوض بشأن تسليم سلاحه والتخلي عن ترسانته العسكرية بخطوة قد تقطع الطريق أمام مسار لبنان لحصر السلاح بيد الدولة في ظل تطورات إقليمية وتغير قواعد الاشتباك في المنطقة.
فجر نزع “سلاح الحزب” النقاشات بلبنان مع تصاعد الضغوطات الأمريكية لنزع سلاح حزب الله في رسائل خاصة حملتها نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إلى القيادات اللبنانية.
في رسالة واشنطن لبيروت أكدت أنها لن تقبل بديلا عن نزع سلاح “حزب الله”، مطالبة بتسليمه في أقرب وقت ودون تباطؤ، وهو ما ذكرته مبعوثة ترا خلال زيارتها لبنان في أبريل/ نيسان،” أن واشنطن تواصل الضغط على الحكومة “من أجل التطبيق الكامل لوقف الأعمال العدائية، بما يشمل نزع سلاح حزب الله وكافة الميليشيات”.
زمن السلاح لم ينته
بوصلة الحزب تحسم الجواب على رسائل أورتاغوس بخطاب نعيم قاسم الذي رفض التخلي عن “سلاح المقاومة” برفض أي نقاش يتضمن تسليمه إلا بشروط يصفها بأنها “مرتبطة بالسيادة الوطنية”، وأن معادلة “السلاح بوجه إسرائيل” ستبقى سارية المفعول.
قد يمكن فهم خطاب حزب الله بـ “هز عصا السلاح” يدل على تشبثه بالبقاء كلاعب رئيسي والاستمرار في دوره كمقاومة مسلحة بأجندة إيرانية، في مشهد لبناني جديد تعهد بإنهاء زمن السلاح والطوائف.
فالحزب الذي يبحث عن عودة من رماد هزائمه الأخيرة واستعادة عافيته العسكرية بعد سلسلة من الضربات استهدفت قياداته بالصف الأول في حرب لبنان الثالثة، يبدو أن اتفاق 1701 لم يعد يلزمه مع اعتداءات إسرائيل المتكررة على الضاحية الجنوبية رغم المساعي الدولية لاحتواءها.
فإسرائيل تواصل خرقها لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، كما تنصلت من استكمال انسحابها من جنوب لبنان بحلول 18 فبراير/ شباط الماضي، خلافًا لاتفاق وقف إطلاق النار، لتنفذ انسحابًا جزئيًا وتواصل احتلال 5 تلال رئيسية ضمن مناطق احتلتها في الحرب الأخيرة.
لا “لحشد” بجيش لبنان
بالمقابل، فإن لبنان الرسمي حمل موقفا صارما تجاه ملف “سلاح الحزب” بقول الرئيس اللبناني جوزيف بأن “اللبنانيين لا يريدون الحرب، ولذلك نؤكد ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية فقط”، في إشارة إلى أن دولة لبنان تعمل على استعادة دورها الكامل، والقطع مع وجود أي سلاح خارج المؤسسات الرسمية.
لم يكن صدفة تجديد عون تصريحه عن حصر السلاح بيد الدولة حصرا إذ سبقته خطوات جادة في تعاملها مع ملف سلاح حزب الله، وتحجيم دوره في الساحة السياسية اللبنانية باستبعاد حكومة نواف سلام بند “المقاومة” من بيانها الوزاري، بعد أن كانت معادلة الشعار الذهبي “الجيش، الشعب، المقاومة” تهيمن على بيانات الحكومات السابقة.
نقطة أخرى تظهر حسم ملف “حزب الله” وحصر ترسانته العسكرية تحت راية لبنان بنفي أي صيغة لدمج الحزب وسلاحه داخل الجيش اللبناني وذلك ردا على إمكانية تبني تجربة “الحشد الشعبي” في لبنان.
فكان رد قصر بعبدا واضحا بأن حشدا شعبيا بنسخة لبنانية أمرغير ممكن وأنه لا مكان لوحدة مستقلة داخل الجيش اللبناني الأمر الذي أثار نقاط خلافية بشأن السلاح المنفلت من بيروت إلى بغداد.
جلبة التصريح أغضبت بغداد ودفعت بالخارجية العراقية استدعاء السفير اللبناني بالعراق علي الحبحاب، لنقل انزعاجها من “التصريح الغير المريح” الصادر عن عون، معتبرين أن نموذج الحشد الشعبي هو جزء مهم من المنظومة الأمنية العسكرية في العراق وأن هذا التصريح يزج بغداد بأزمة لبنان الداخلية.
ظل طهران بأزمة السلاح
يبدو أن سؤال عون عن “حشد شعبي” في لبنان لم يكن بريئا بخاصة وأن البلدين عَبَرا مستويات هامة من التعاون والتنسيق أملتها عليهما “العاصفة” التي هبت في المنطقة.
تهامست أصوات داخل وخارج لبنان بأن جر “نموذج الحشد إلى لبنان أحد شركاء طهران الرئيسيين في العراق والمنطقة ليست إلا بالون اختبار أطلقته طهران في علاقة بأزمة سلاح حزب الله لجس نبض قصر بعبدا من تجربة استنساخ “الحشد الشعبي” في لبنان، لتضمن بقاء أوراق “حزب الله” قوية في معادلة السيادة بلبنان ويعود هذا البلد “للوصاية” الإيرانية.
فموقف طهران الرافض لنزع سلاح “ذراعه” بيروت، ترجمته المواقف العلنية الأخيرة لمجتبى أماني، سفير إيران بلبنان، حيث نشر في تغريدات قوله إن مشروع نزع السلاح “مؤامرة واضحة ضد الدول”، محذرا من خطورة ذلك على أمن شعوب المنطقة.
بيروت لم تخف امتعاضها ما وصفته بتدخل طهران في الشأن الداخلي اللبناني، وأبلغت السفير الإيراني بضرورة “التقيّد بالأصول الدبلوماسية”، في رسالة خاصة بان زمن الوصاية وُلَى.
سيعيد “سلاح الحزب” تركيب المشهد السياسي اللبناني بين شد وجذب لحسابات السيادة في لبنان، فإما استكمال مخاض ولادة الجمهورية الثالثة بلبنان وأحد بنوده الهامة حل قضية السلاح، أو حرب مفتوحة مع إسرائيل سيدفع فيها اللبنانيون الفاتورة الأكبر.