في تأكيد جديد على التزامها بثوابت السياسة الخارجية القائمة على دعم الاستقرار الإقليمي وحماية الشعوب من ويلات الصراعات، دعت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى وقف الحرب في السودان “فورًا ودون شروط”، مجددة رفضها لما وصفته بـ”حملات التضليل” التي تستهدف دورها الإنساني والدبلوماسي في واحدة من أعقد الأزمات التي تشهدها القارة الإفريقية.
المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، الدكتور أنور قرقاش، عبّر في تصريح عبر منصة “إكس” عن قلق بلاده العميق إزاء استمرار الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون السودانيون، معتبرًا أن التقرير النهائي الصادر عن مجلس الأمن الدولي يشكل دليلًا دامغًا على مسؤولية الأطراف المتحاربة في السودان عن جرائم خطيرة، تم توثيقها بشهادات وتحقيقات ميدانية مستقلة. وأضاف قرقاش أن التقرير الأممي “يدحض بشكل واضح المزاعم التي أطلقها الجيش السوداني بحق الإمارات”، والتي وصفها بأنها جزء من “حملة ممنهجة تهدف إلى التهرب من المسؤولية الأخلاقية والقانونية حيال ما يجري في السودان”.
التقرير الصادر عن فريق خبراء الأمم المتحدة سلّط الضوء على سلسلة من الانتهاكات شملت غارات جوية عشوائية، واعتداءات مباشرة على المدنيين، فضلًا عن استخدام التجويع ومنع المساعدات الإنسانية كأدوات حرب. التقرير لم يبرئ أيًا من الطرفين، بل حمّل كليهما—الجيش السوداني وقوات الدعم السريع—مسؤولية مشتركة عن الانهيار الإنساني الذي تشهده البلاد.
في موازاة ذلك، أكد المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، السفير محمد أبوشهاب، أن الاتهامات الموجهة إلى بلاده لا أساس لها من الصحة، وأن نتائج التحقيق الأممي تكشف بوضوح من يتحمل عبء الدم السوداني المسفوك. وقال أبوشهاب إن “الإمارات ملتزمة بدعم كل جهد دولي يرمي إلى إنهاء معاناة الشعب السوداني”، مشددًا على أهمية محاسبة المسؤولين عن الجرائم، بدلاً من تصدير الأزمة واختلاق خصومات خارجية.
دعوة الإمارات لوقف الحرب لم تأت في سياق دبلوماسي تقليدي، بل ارتبطت بمطالبة صريحة بالانخراط الجاد في محادثات سلام شاملة، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، وتهيئة المناخ لقيام حكومة مدنية مستقلة تمثل مختلف مكونات الشعب السوداني وتعبّر عن تطلعاته في الحرية والعدالة والكرامة.
وفيما تستمر قوى داخل السودان في تغذية الصراع بخطابات تحريضية وتحالفات ظرفية، تثبّت الإمارات موقعها كداعم حقيقي للاستقرار، بعيدًا عن الحسابات قصيرة المدى أو الاصطفافات العقائدية. موقفها في السودان ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لنهج سياسي يرى في إنهاء النزاعات مصلحة إقليمية جماعية لا تحتمل المساومة.
تظل الأزمة السودانية اختبارًا قاسيًا للضمير الدولي، ومع استمرار الحرب وغياب الأفق السياسي، تبدو الأصوات الداعية إلى السلام، كالموقف الإماراتي، أشد ما تكون ضرورة وأكثر ما ينبغي الإنصات إليه.