دخل دونالد ترمب البيت الأبيض حاملاً وعودًا اقتصادية طموحة، مدعومة بخطاب شعبوي تعهّد من خلاله بـ”إعادة العظمة” إلى الاقتصاد الأميركي، لكن واقع المائة يوم الأولى من ولايته كان مختلفًا تمامًا، حيث قاد سلسلة من السياسات الاقتصادية والتجارية التي وُصفت بالفوضوية والانعزالية، وأسفرت عن موجة صدمات غير مسبوقة طالت الأسواق الأميركية والعالمية على حد سواء.
خلال هذه الفترة القصيرة، اتسمت إدارة ترمب بانقلابات حادّة في التوجهات الاقتصادية، وشهدت البلاد حالة من القلق المتزايد وسط تراجع ثقة المستثمرين، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وانخفاض قيمة المدخرات، خاصة في صناديق التقاعد التي تمسّ الطبقة الوسطى بشكل مباشر.
حرب تجارية شاملة… وشركاء يتحولون إلى خصوم
من أبرز معالم سياسة ترمب الاقتصادية المبكرة كانت الحرب التجارية التي شنّها على حلفاء تاريخيين للولايات المتحدة. فبفرض رسوم جمركية ضخمة على واردات من كندا والمكسيك واليابان والاتحاد الأوروبي، أعاد ترمب تعريف العلاقات الاقتصادية الدولية عبر بوابة المواجهة لا الشراكة. لم تقتصر الرسوم على منتجات محددة، بل طالت قطاعات حيوية كالفولاذ والألمنيوم والسيارات، ما دفع شركاء واشنطن إلى الرد بالمثل، وأدى إلى تصاعد حدة التوترات التجارية.
وقد بلغ التوتر مداه عندما وصف ترمب كندا بأنها “شبه ولاية أميركية”، وأطلق تهديدات تجاه دول بعيدة مثل غرينلاند وبنما، في إشارات تعكس رغبة في إعادة ترسيم العلاقات الدولية بما يخدم رؤية ضيقة للمصلحة الأميركية.
الأسواق تتأرجح والثقة تنهار
كان تأثير هذه السياسات واضحًا على الأسواق المالية التي شهدت تقلبات حادة، وسط غياب رؤية اقتصادية واضحة ومستمرة من الإدارة الأميركية. الهبوط المتكرر في المؤشرات الرئيسية، والانخفاض الملموس في قيمة المدخرات، ولا سيما في حسابات التقاعد، أوجد حالة من الذعر لدى قطاعات واسعة من المواطنين. كما تراجعت مؤشرات ثقة المستهلكين والشركات بشكل ملموس، في وقت كانت فيه التوقعات تُبنى على ازدهار اقتصادي محتمل عقب فوز ترمب.
صحيفة “واشنطن بوست” وصفت أداء ترمب الاقتصادي خلال هذه الفترة بأنه “الأسوأ لأي رئيس أميركي جديد في المائة يوم الأولى من ولايته منذ أكثر من قرن”، مشيرة إلى أن الفوضى وغياب اليقين كانا السمتين الأبرز لسياساته الاقتصادية.
التضخم يعود للواجهة
رغم اقتراب “الاحتياطي الفيدرالي” من تحقيق هدفه بخفض التضخم إلى 2%، فإن المؤشرات الاقتصادية الناتجة عن سياسات ترمب دفعت المحللين إلى التحذير من عودة التضخم للارتفاع، مدفوعًا بارتفاع الأسعار الناتج عن الرسوم الجمركية، وزيادة تكلفة السلع المستوردة.
الداخل الأميركي ينقلب على سياسات الرئيس
اللافت أن الانتقادات لم تقتصر على خصوم ترمب السياسيين، بل شملت حتى حلفاءه الجمهوريين وعددًا من مستشاريه الاقتصاديين الذين عبّروا عن قلقهم من أن الولايات المتحدة باتت تُنظر إليها كـ”شريك غير موثوق به” في الاقتصاد العالمي. عزز هذا الانطباع قرارات الرئيس الانعزالية، خصوصًا ما يتعلق بتقويض التعاون عبر حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو ما أضاف أبعادًا جيوسياسية سلبية على الأداء الاقتصادي.
ترمب… زعيم الفوضى الاقتصادية
على عكس الوعود الانتخابية التي روّج لها خلال حملته، لم يحمل أداء ترمب في أول مائة يوم أي مؤشرات على بناء اقتصاد قوي أو مستقر. بل إن التقييمات الأولية من المؤسسات الاقتصادية الكبرى والمراكز البحثية المستقلة اعتبرت أن هذه الفترة طُبعت بـ”الفوضى المنظمة”، حيث تحوّلت الاستراتيجية الاقتصادية إلى مجموعة قرارات فردية مرتجلة، غالبًا ما تصدر عبر تغريدات، دون الرجوع إلى دوائر الخبرة والتقييم.
بداية مشوشة لرئاسة مضطربة
رسم ترمب، خلال أول مائة يوم له في الحكم، صورة لرئيس لا يخشى التحدي، لكنه أيضًا لا يمتلك استراتيجية متماسكة. وعلى الرغم من أن أنصاره رأوا في خطواته “ثورة على النظام الاقتصادي العالمي التقليدي”، فإن المحصلة جاءت كارثية على المديين القصير والمتوسط، وسط تراجع حاد في ثقة الحلفاء، وانكماش اقتصادي واضح، وتنامي المخاوف من عزلة اقتصادية وسياسية قد تقود الولايات المتحدة إلى موقع لا يشبه دورها الريادي الذي شغلته لعقود.