شهدت منطقة أشرفية صحنايا وبلدة صحنايا في ريف دمشق خلال اليومين الماضيين تطورات أمنية خطيرة، ترافقت مع تصعيد عنيف وسقوط عدد كبير من القتلى، وسط توتر متصاعد إثر انتشار مقطع صوتي مسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، نُسب إلى أحد مشايخ الطائفة الدرزية. وبينما نفى الشيخ المعني صحة التسجيل، مؤكدًا أن الصوت لا يعود إليه، كان الشارع قد اشتعل بالفعل، ليتحوّل غضب المواطنين إلى فوضى مسلحة كشفت هشاشة الوضع الأمني في محيط العاصمة السورية.
الهجوم الأبرز وقع في منطقة أشرفية صحنايا، حيث أكدت وزارة الداخلية السورية مقتل 16 عنصرًا من جهاز الأمن العام، عقب هجوم دموي استهدف مقرًا أمنيًا. هذا الهجوم تزامن مع اشتباكات أخرى شهدتها مدينة جرمانا القريبة، حيث قُتل 8 أشخاص وأصيب آخرون، ما دفع السلطات إلى تعزيز انتشار القوات الأمنية في المنطقة وفرض طوق أمني لمنع امتداد التوتر إلى أحياء العاصمة.
في خضم هذا التصعيد، دخل الجيش الإسرائيلي على خط الأحداث، إذ صرح المتحدث باسم الجيش بأن رئيس الأركان، إيال زامير، أصدر تعليماته بالاستعداد لتنفيذ ضربات ضد النظام السوري “إذا لم يتوقف العنف ضد الدروز”، وهو تصريح فُسر على أنه محاولة إسرائيلية واضحة لاستغلال التوتر الطائفي داخل سوريا لدفع النظام نحو التراجع أو فرض تنازلات معينة. ولم تمض ساعات على هذا التصريح حتى أفادت مصادر إعلامية بسماع دوي انفجارات في ريف دمشق، قالت قناة الجزيرة إنها ناجمة عن غارات إسرائيلية استهدفت ثلاثة “أهداف أمنية” في صحنايا.
ومع تصاعد القلق الشعبي وتواتر الأنباء عن حشود مسلحة، أصدرت وزارة الداخلية السورية بيانًا أكدت فيه أن قوات الأمن تتعامل بحذر مع “خارجين عن القانون” في المنطقة، مشيرة إلى اتخاذ “تدابير أمنية مشددة” لمنع تفاقم الوضع. كما ناشدت الوزارة السكان التزام منازلهم والإبلاغ عن أي تحركات مريبة.
في سياق تطويق الأزمة، تم الإعلان يوم الأربعاء عن التوصل إلى اتفاق بين السلطات السورية وشيوخ ووجهاء منطقة صحنايا، يقضي بدخول قوات الأمن العام إلى المنطقتين بشكل كامل، وحصر السلاح بيد الدولة. هذا الاتفاق جاء ثمرة مفاوضات شارك فيها محافظو ريف دمشق والقنيطرة والسويداء، حيث زاروا صحنايا بعد توقيع التفاهم للاطمئنان على استقرار الوضع.
وانتشرت لاحقًا مقاطع فيديو تُظهر المقدم حسام الطحان، مدير أمن ريف دمشق، وهو يقوم بجولة ميدانية في الأحياء التي شهدت التوتر، مخاطبًا عناصر الأمن العام بضرورة الالتزام الصارم بالتعليمات الرسمية، وتجنب مداهمة المنازل أو التعرض للمدنيين، مع تحديد حماية السكان كأولوية قصوى.
رغم هذا الهدوء النسبي، تبقى الأسئلة الجوهرية دون إجابة: من يقف وراء التصعيد؟ وهل جاء الهجوم على المقر الأمني كرد فعل تلقائي على التسجيل الصوتي، أم أنه استُغل من قبل جهات مسلحة تسعى لإحداث خلخلة أمنية في خاصرة دمشق الجنوبية؟ ولماذا تزامنت هذه الأحداث مع تحركات إسرائيلية إعلامية وعسكرية، وتحذيرات موجهة بشكل علني ضد النظام السوري؟
الأرجح أن ما حدث في صحنايا لا يمكن فصله عن التعقيد الإقليمي المحيط بسوريا، ولا عن هشاشة السيطرة الأمنية للدولة في مناطق قريبة من العاصمة، حيث تتقاطع عوامل الفوضى الطائفية، مع تغلغل السلاح، وفقدان الثقة بالسلطات الرسمية. وبينما يحاول النظام السوري احتواء الوضع وطمأنة الحاضنة الاجتماعية، يبدو أن “الفتنة” التي اندلعت بسبب تسجيل صوتي قد كشفت عن هشاشة خطيرة، قد لا يكون من السهل تجاوزها في المدى المنظور.