تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير بشأن الاستعداد لتوجيه “ضربة قاصمة” لحماس تبدو في ظاهرها استعراضاً للقوة، لكنها في عمقها تعكس تناقضاً جوهرياً بين الخطاب العسكري الإسرائيلي والواقع الميداني الذي تكشفه الحرب المستمرة منذ أكثر من عام. فأن تعلن إسرائيل، بعد كل هذه الشهور من القتال المكثف، أنها ستصعّد “قريباً” إذا لزم الأمر، يطرح تساؤلات جوهرية: إذا لم يكن ما حدث حتى الآن هو الضربة القاصمة، فماذا كان إذن؟ وإذا لم تكن هذه “الوتيرة القصوى”، فمتى تبدأ؟
فشل ملف الرهائن
ما قاله زامير لا يمكن فصله عن السياق السياسي الداخلي والخارجي لإسرائيل. على الصعيد الداخلي، يعاني الجيش من تراجع في الثقة الشعبية بسبب فشل ملف الرهائن، وتضارب الرسائل بين القيادة العسكرية والسياسية، وسط خلافات حادة بين الحكومة والمؤسسة الأمنية. حديث الرئيس إسحق هرتسوغ عن ضرورة إبعاد الجيش عن الصراعات السياسية ليس مصادفة، بل يأتي كمحاولة لاحتواء التوتر الداخلي بعد أشهر من الضغوط والاحتجاجات على إدارة الحكومة للحرب.
من ناحية أخرى، التصعيد اللفظي الذي صدر عن زامير يُقرأ أيضاً كنوع من “التصريحات العنترية” الموجّهة للداخل الإسرائيلي المتململ، وربما حتى للمجتمع الدولي الذي بدأ يضيق ذرعاً من استمرار الحرب دون أفق سياسي واضح.
التصعيد العسكري
لكن هذه التصريحات لا تستند إلى واقع استراتيجي جديد. فإسرائيل، رغم تفوقها العسكري، لم تستطع حتى الآن تفكيك بنية حماس، ولم تتمكن من إعادة الرهائن، كما أنها تواجه مأزقاً أخلاقياً وإنسانياً متفاقماً بسبب الكارثة في غزة، ما يقيّد قدرتها على التصعيد العسكري دون ثمن سياسي دولي باهظ.
كما أن فكرة “ضربة قاصمة” أصبحت عبئاً خطابياً أكثر منها خياراً واقعياً. بعد عام من الحرب، حماس لا تزال تقاتل، ما يجعل الحديث عن ضربة “حاسمة” أقرب إلى محاولة ترميم صورة الردع الإسرائيلي المتآكلة، وليس إعلاناً حقيقياً عن مرحلة جديدة.
كسر حماس
إسرائيل تدرك جيداً أن استمرار الحرب بات سيفاً ذا حدّين. فهي لم تحقق بعد أهدافها المعلنة، ومع ذلك لا تملك خطة خروج واضحة. وتصريحات كهذه قد تُستخدم كأداة تهدئة داخلية عبر الإيحاء بأن الحسم قادم، في حين أن القيادة تعرف تماماً أن “الضربة القاصمة” ليست سهلة، وأن كسر حماس ليس مجرد مسألة وقت، بل مسألة كلفة لا يبدو أن إسرائيل مستعدة لتحمّلها بالكامل، خاصة في ظل التهديدات من جبهات أخرى مثل الشمال، والضغط الأميركي المتزايد لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية وسياسية.
تصريحات زامير ليست مؤشراً على تحوّل استراتيجي حقيقي، بل أقرب إلى إعادة تدوير للخطاب العسكري الذي يهدف إلى رفع المعنويات وتخفيف الضغط الشعبي والسياسي، في حرب طالت أكثر مما توقعت إسرائيل، وأثبتت أن خصمها لا يزال يمتلك أوراقاً لم تُحرَق بعد.