في تطور لافت يعكس تغيّرًا محتملاً في مواقف حركة حماس بعد شهور من الحرب المدمرة على قطاع غزة، كشفت مصادر عربية مطلعة لقناة i24NEWS أن الحركة قدّمت إلى الجانب المصري مقترحًا غير مسبوق ينص على تخليها عن الأسلحة الثقيلة، بما في ذلك الصواريخ المتوسطة والطويلة المدى، مقابل وضعها تحت رقابة وسيطرة مصرية مباشرة. ويأتي هذا التطور ضمن سياق أوسع من المحادثات الجارية لإعادة صياغة بنية السلطة والوجود العسكري في قطاع غزة، تمهيدًا لما يُعرف بمرحلة “اليوم التالي” لنهاية الحرب.
المبادرة، وفق المصدر، لا تقتصر فقط على تفكيك ترسانة الأسلحة المتطورة التي راكمتها حماس على مدار أكثر من 15 عامًا، بل تتعداها إلى إعلان صريح عن استعداد الحركة لوقف كافة جهود التعاظم العسكري. وهذا يشمل تجميد أنشطة التدريب، وقف عمليات التجنيد، والتوقف عن تطوير منظومات التسليح، بالإضافة إلى إنهاء العمل في شبكة الأنفاق التي لطالما شكلت العمود الفقري لاستراتيجية حماس الدفاعية والهجومية.
ما تقدّمه الحركة اليوم، ظاهريًا على الأقل، يبدو وكأنه تحول جوهري في طبيعة المشروع العسكري الذي تبنّته منذ سيطرتها على القطاع عام 2007. فحماس، التي بَنَتَت مكانتها على ثنائية المقاومة والحكم، تعرض الآن التنازل عن أدواتها الأهم في معادلة الردع أمام إسرائيل، بشرط أن يتم ذلك تحت إشراف مصري مباشر، ما يوحي بأنها تحاول تحويل المعركة من طابعها العسكري الصرف إلى طابع سياسي وأمني مركّب، تكون فيه مصر طرفًا ضامنًا ومسؤولًا.
لكن المقترح لا يخلو من تحفظات. فالحركة، بحسب المصدر ذاته، شددت على أنها غير مستعدة للتخلي عن “الأسلحة الشخصية والدفاعية” مثل أسلحة القنص، الألغام، وقذائف الهاون قصيرة المدى. وبررت ذلك بأنها أدوات ضرورية لـ”الدفاع الذاتي”، في إشارة إلى قلقها من ترك عناصرها ومناطق نفوذها دون وسائل حماية أساسية، سواء من إسرائيل أو من خصومها الفلسطينيين.
وقد طلبت حماس من القاهرة إيصال هذا المقترح إلى إسرائيل، على أمل أن يشكل أرضية أولية لتفاهمات ما بعد الحرب. وهذه الخطوة، وفق مراقبين، ليست معزولة عن الحراك الإقليمي المكثف الذي يجري منذ أسابيع، والذي يتضمن محاولات لصياغة ترتيبات أمنية جديدة في القطاع، تضمن تهدئة طويلة الأمد وتمنع عودة التصعيد.
المبادرة تأتي أيضًا بالتوازي مع تقارير أخرى تحدثت عن نية حماس التخلي عن الحكم المباشر في غزة، وهو ما يُفهم منه أن الحركة باتت تدرك أن نموذجها السابق في الجمع بين إدارة الشأن المدني والقيادة العسكرية لم يعد قابلاً للاستمرار، لا شعبيًا داخل القطاع ولا سياسيًا على المستوى الإقليمي والدولي. وتفيد مصادر إعلامية بأن الحركة منفتحة على تسويات قد تتضمن تسليم الحكم الإداري لجهات فلسطينية توافقية، على أن تبقى في موقع سياسي غير تنفيذي.
من وجهة نظر إسرائيل، قد يُنظر إلى العرض الحماسي بكثير من الريبة. إذ يرى محللون في تل أبيب أن العرض، رغم كونه غير مسبوق، لا يزال قاصرًا لأنه يُبقي على قدرات نارية قصيرة المدى يمكن استخدامها ضد المستوطنات الجنوبية، فضلًا عن عدم تطرقه لمسألة المساءلة عن الجرائم التي ارتُكبت خلال الحرب أو مستقبل قادة الجناح العسكري للحركة.
أما في القاهرة، فالموقف أكثر براغماتية. مصر، التي تعمل على خط الوساطة منذ بداية الحرب، ترى أن إدماج حماس ضمن معادلة أمنية تخضع لرقابتها المباشرة يشكل مدخلًا عمليًا لوقف التصعيد، وإنهاء حالة الاستنزاف المتواصلة، مع الحفاظ على دور محوري لها في إدارة المعادلة الفلسطينية الإسرائيلية. ويعتقد مراقبون أن قبول مصر بهذا الدور سيعتمد على ضمانات إقليمية ودولية تتعلق بعدم تحميلها وحدها مسؤولية ضبط الأوضاع، خاصة إذا ما أدت التفاهمات الجديدة إلى انسحاب إسرائيلي من القطاع أو جزء منه.
ما يجدر التوقف عنده أيضًا هو أن هذا العرض لم يأتِ من موقع قوة، بل على العكس، يأتي في لحظة ضعف استراتيجي تمر بها الحركة، نتيجة للضربات الإسرائيلية الكثيفة، والعزلة السياسية المتزايدة، والمأزق الإنساني الخانق داخل القطاع. وبالتالي فإن قراءته يجب أن تأخذ بعين الاعتبار دوافع البقاء السياسي، لا بالضرورة فقط نوايا التسوية الدائمة.
السؤال المطروح الآن هو: هل يمثل هذا المقترح تحوّلًا استراتيجيًا في رؤية حماس لطبيعة الصراع، أم أنه مجرّد مناورة لربح الوقت، واستعادة الأنفاس قبل جولة جديدة من المواجهة؟ وهل ستجد إسرائيل والولايات المتحدة في هذه المبادرة ما يكفي من الجدية لبدء مسار تفاوضي؟ أم أن الشروط الإسرائيلية المسبقة، وعلى رأسها نزع السلاح الكامل، ستجعل من هذا العرض مجرد نقطة في سجل طويل من المقترحات غير القابلة للتنفيذ؟
في كل الأحوال، المبادرة تفتح الباب أمام مشهد جديد في غزة، قد لا تُحسم ملامحه سريعًا، لكنه يشير إلى أن حماس لم تعد تُفكر فقط في كيفيّة الرد، بل في كيفيّة البقاء ضمن المعادلة من موقع جديد، قد يكون أضعف من حيث السلاح، لكنه ربما أكثر براغماتية من حيث السياسة.