أثار نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس جدلاً واسعاً باتهامه ألمانيا بإعادة بناء “جدار برلين”، في أحدث انتقاد لاذع من إدارة الرئيس دونالد ترامب لحليفتها التقليدية. وجاء هذا الاتهام الحاد بعد تصنيف ألمانيا لحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف كياناً متطرفاً يهدد الديمقراطية.
عبر حسابه على منصة “إكس”، كتب فانس، الذي سبق له أن التقى زعيم حزب البديل في ميونيخ في فبراير الماضي: “الغرب، معا، هدمنا جدار برلين، لكن أعيد بناؤه، ليس من قبل السوفيات أو الروس، بل من قبل المؤسسة السياسية الألمانية”.
وجاءت تصريحات فانس بعد أن صنف المكتب الاتحادي لحماية الدستور في ألمانيا حزب “البديل من أجل ألمانيا” كياناً متطرفاً يهدد النظام الديمقراطي. وتمكن هذه الخطوة المكتب من مراقبة الحزب بشكل أفضل، والذي حل ثانياً في الانتخابات الاتحادية التي جرت في فبراير.
تأثير التصنيف على الحزب اليميني
من شأن هذا التصنيف أن يعيق قدرة الحزب على استقطاب أعضاء جدد، بالإضافة إلى القيود المفروضة على التوظيف في الخدمة المدنية. وأوضح المكتب الاتحادي لحماية الدستور في بيان أن “المفهوم السائد للشعب داخل الحزب، القائم على العرق والأصل، لا يتوافق مع النظام الديمقراطي الحر”. وأضاف البيان أن الحزب يهدف إلى “استبعاد فئات سكانية بعينها من المشاركة على قدم المساواة في المجتمع وإخضاعها لمعاملة تنتهك الدستور وبالتالي منحها صفة اتبعية قانونا”.
وتعكس تصريحات فانس عمق الخلافات بين إدارة ترامب وألمانيا، وتثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين البلدين. ويشير اتهام فانس لألمانيا بإعادة بناء “جدار برلين” إلى تصاعد حدة الخطاب السياسي، واستخدام مقارنات تاريخية مثيرة للجدل.
قصة جدار برلين: رمز الحرب الباردة والانقسام الألماني
جدار برلين لم يكن مجرد حاجز مادي من الخرسانة والأسلاك الشائكة؛ لقد كان رمزاً قوياً للانقسام السياسي والأيديولوجي الذي ميز فترة الحرب الباردة بين الشرق والغرب. قصة هذا الجدار هي قصة مدينة مقسومة، وعائلات مفترقة، وصراع بين نظامين عالميين.
بعد هزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية عام 1945، تم تقسيم البلاد بين قوى الحلفاء المنتصرة: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في الغرب، والاتحاد السوفيتي في الشرق. وبالمثل، قُسمت العاصمة برلين نفسها إلى أربعة قطاعات.
مع تصاعد التوترات بين الحلفاء الغربيين والاتحاد السوفيتي، بدأت القطاعات الألمانية تتطور بشكل منفصل. في عام 1949، تأسست جمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية) في القطاعات الغربية، وتبنت نظاماً ديمقراطياً واقتصاداً رأسمالياً. وفي المقابل، تأسست جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية) في القطاع السوفيتي، وأصبحت دولة شيوعية تابعة للاتحاد السوفيتي.
على الرغم من التقسيم السياسي، ظلت برلين مدينة واحدة نسبياً مع حرية التنقل بين القطاعات. ولكن مع تزايد عدد الألمان الشرقيين الذين يفرون إلى ألمانيا الغربية عبر برلين، سعى النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية إلى وقف هذا النزيف البشري.
في ليلة 12-13 أغسطس 1961، بدأت ألمانيا الشرقية بشكل مفاجئ في بناء حاجز مؤقت من الأسلاك الشائكة بين قطاعاتها الشرقية وقطاعات برلين الغربية. وسرعان ما تحول هذا الحاجز المؤقت إلى جدار خرساني مسلح، امتد لأكثر من 155 كيلومتراً حول برلين الغربية، وفصلها تماماً عن ألمانيا الشرقية والمناطق الشرقية من برلين.
الحياة على جانبي الجدار: مدينة مقسومة وعائلات مفترقة
أصبح جدار برلين رمزاً للانقسام الألماني والأوروبي. لقد قسم مدينة واحدة، وفصل العائلات والأصدقاء، وجعل التنقل بين الشرق والغرب أمراً بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً في كثير من الأحيان.
أصبح الجانب الشرقي من الجدار منطقة محظورة تخضع لحراسة مشددة من قبل الجنود وحرس الحدود. أقيمت أبراج مراقبة، وحقول ألغام، وأسلاك شائكة، ومناطق “حرام” لمنع أي شخص من محاولة العبور.
أما برلين الغربية، فقد أصبحت بمثابة “جزيرة” رأسمالية محاطة بالأراضي الشيوعية. اعتمدت على دعم ألمانيا الغربية والحلفاء الغربيين في بقائها وازدهارها.