تشكل الاعتداءات المتكررة التي ينفذها المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية واحدة من أبرز مظاهر التصعيد والعنف المنظم ضد المدنيين الفلسطينيين، في ظل حماية وتواطؤ شبه مباشر من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وغياب واضح لأي محاسبة فعالة وفق القانون المحلي أو الدولي. ما يجري من اعتداءات حرق، وتخريب، واعتداءات جسدية، هو ليس مجرد أعمال فردية أو حالات شاذة، بل نمط متصاعد من العنف الاستيطاني المنسّق الذي يخدم سياسات تهويد الأراضي، وإجبار السكان الفلسطينيين، لا سيما في المناطق الريفية والبدوية، على النزوح القسري.
الاعتداء على الممتلكات
في الهجمات الأخيرة، تركزت أعمال المستوطنين في مناطق زراعية واستراتيجية، كالمغيّر وأبو فلاح وسهل سيع، وهي مناطق تشكل امتداداً حيوياً للوجود الفلسطيني في شمال ووسط الضفة الغربية. عبر حرق الغرف الزراعية والاعتداء على الممتلكات، يسعى المستوطنون إلى خلق بيئة طاردة للسكان الأصليين، وهو ما يتقاطع بشكل واضح مع أهداف تهويد الأرض وتوسيع رقعة المستوطنات غير الشرعية. وفي الوقت ذاته، لا تتحرك قوات الاحتلال إلا لحماية المستوطنين، بل أحياناً تشارك بشكل مباشر في قمع الأهالي خلال تصديهم للاعتداءات.
من الناحية القانونية، فإن أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون، خصوصاً تلك التي تؤدي إلى تدمير ممتلكات أو إصابات جسدية، تُصنف بحسب القانون الدولي كجرائم حرب، خاصة أن هذه الأفعال تتم في أرض محتلة يُفترض أن تلتزم فيها الدولة المحتلة – أي إسرائيل – بحماية المدنيين الواقعين تحت الاحتلال، بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949. غير أن إسرائيل لا تتعامل مع هذه الجرائم على هذا الأساس، بل تتبع نهجاً مزدوجاً في تطبيق القانون، فتمنح المستوطنين حصانة ضمنية، من خلال إفلاتهم المتكرر من العقاب، أو الاكتفاء بتحقيقات شكلية غالباً ما تُغلق بدعوى “عدم كفاية الأدلة”، رغم وجود توثيق مرئي وشهادات موثقة.
تشكيل لجان تحقيق
كما أن جهاز القضاء الإسرائيلي نادراً ما يصدر أحكاماً ضد المستوطنين، وحتى إن صدرت، فهي غالباً رمزية ولا تعكس خطورة الجرائم المرتكبة، مما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب. ويُعتبر هذا التمييز القضائي أحد أبرز مظاهر نظام الفصل العنصري الممنهج الذي تُتهم به إسرائيل من قِبل منظمات حقوقية دولية مثل “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية”، والذي يمنح فئة (المستوطنين) امتيازات قانونية وأمنية، بينما يُقمع السكان الأصليون (الفلسطينيون) ويُحرمون من الإنصاف.
في السياق الدولي، ورغم تصاعد الدعوات لتشكيل لجان تحقيق دولية بشأن العنف الاستيطاني، إلا أن المحاسبة ما زالت غائبة عملياً، بسبب الحماية السياسية التي توفرها دول مثل الولايات المتحدة لإسرائيل في المحافل الدولية. وحتى المحكمة الجنائية الدولية، التي فتحت تحقيقاً أولياً في جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية، ما تزال تواجه ضغوطاً سياسية وتعطيلات إجرائية تمنعها من المضي قدماً بشكل فعال.
فوضى عابرة
ما يجري في الضفة الغربية من عنف استيطاني ليس حالة فوضى عابرة، بل جزء من سياسة ميدانية تستهدف تفريغ الأرض من أصحابها الأصليين، وسط غياب تام للمحاسبة الحقيقية، سواء داخل إسرائيل أو في الأطر الدولية، مما يجعل من هذه الجرائم خطراً مستمراً على أمن وسلامة الشعب الفلسطيني، وعلى فرص أي تسوية سياسية عادلة.