أعلنت الحكومة السودانية، مساء الثلاثاء، قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ووصفتها رسميًا بـ”دولة عدوان”، متهمة إياها بدعم مباشر لقوات الدعم السريع في حربها ضد الجيش السوداني، عبر تزويدها بأسلحة متطورة وتمويل سخي، ما اعتبرته الخرطوم تدخلاً عدائياً مباشراً في شؤونها الداخلية.
القرار الذي تلاه وزير الدفاع السوداني الفريق إبراهيم ياسين، جاء ضمن بيان صادر عن مجلس الأمن والدفاع السوداني، تضمّن أيضاً سحب طاقم السفارة السودانية والقنصلية العامة من أبو ظبي، في وقت تؤكد فيه السلطات في الخرطوم أن الإمارات تجاوزت كل الخطوط الحمراء، عبر “إصرارها على دعم مليشيا متمردة تسعى لتقويض وحدة السودان واستقراره”، في إشارة إلى قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
من الدعم غير المباشر إلى التدخل الصريح
لطالما وُجهت اتهامات للإمارات بالتورط في النزاع السوداني من وراء الستار، لكن الخرطوم تؤكد اليوم أن الدعم الإماراتي تجاوز مرحلته الرمادية، وتحول إلى “عدوان واضح وموثق”، خاصة بعد العثور على أسلحة وذخائر حديثة في مواقع الدعم السريع، يُعتقد أنها شُحنت من الإمارات، واستخدمت في الهجوم الأخير على مدينة بورتسودان، والتي تُعد آخر معاقل سيطرة الجيش على البحر الأحمر.
وتقول السلطات إن الأسلحة الإماراتية تم استخدامها في قصف منشآت حيوية مثل مطار بورتسودان ومخازن الوقود والغاز ومحطات الكهرباء، وهو ما اعتبرته الخرطوم “استهدافاً لبنية البلاد التحتية ومحاولة لشل قدرة الحكومة الشرعية على الصمود”.
تحوّل استراتيجي في الموقف السوداني
البيان الرسمي أشار إلى أن السودان “مارس ضبط النفس لأكثر من عامين”، رغم توفر مؤشرات على دعم إماراتي واضح لقوات الدعم السريع، لكنه قرر الآن ممارسة “حق الدفاع عن النفس” كما يكفله ميثاق الأمم المتحدة في مادته 51، وهو ما يفتح الباب أمام احتمال الرد العسكري أو التصعيد الدبلوماسي ضمن الأطر الدولية.
ويُعد هذا القرار انعطافة لافتة في مسار الأزمة السودانية، إذ يعكس إحباطاً متزايداً من موقف بعض القوى الإقليمية، التي تتعامل مع الصراع كمجال لتوسيع نفوذها الجيوسياسي، على حساب استقرار السودان ووحدته الوطنية.
الإمارات في مرمى الاتهام.. مجددًا
الإمارات، التي تتهمها أطراف إقليمية عديدة بالسعي لإعادة هندسة التوازنات في منطقة القرن الإفريقي، تجد نفسها مرة أخرى في قلب أزمة إقليمية، وسط اتهامات بدعم فصائل مسلحة في اليمن وليبيا والسودان، تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب” أو “تحقيق الاستقرار”. لكن الخرطوم ترى أن الدور الإماراتي في السودان هذه المرة يتجاوز حدود النفوذ السياسي أو الاقتصادي، إلى دعم عسكري مباشر لطرف يسعى للانقلاب على السلطة الشرعية.
وتشير مصادر سودانية إلى أن الإمارات كانت تأمل في بناء شراكات عسكرية وتجارية عبر الدعم السريع، بما في ذلك الحصول على امتيازات في موانئ السودان على البحر الأحمر، وعلى رأسها ميناء بورتسودان، الذي يمثل رئة البلاد الاقتصادية.
تداعيات إقليمية محتملة
قرار قطع العلاقات، وما رافقه من اتهام رسمي، سيكون له على الأرجح تبعات إقليمية. إذ يُتوقع أن تزداد الضغوط على أطراف عربية وغربية لاتخاذ موقف أكثر وضوحًا من الدور الإماراتي في الأزمة، خصوصًا وأن الخرطوم لوّحت بأنها قد تفتح الملف أمام مجلس الأمن الدولي وتطلب فتح تحقيق رسمي.
في المقابل، من غير المرجح أن تتراجع الإمارات بسهولة عن رهاناتها في السودان، خصوصًا وأنها تعتبر الدعم السريع ورقة ضغط إقليمية في سياق تنافسها مع قوى إقليمية أخرى، لا سيما تركيا وقطر، على النفوذ في شرق إفريقيا.
المجهول ينتظر السودان
وسط هذا التصعيد، يزداد القلق الدولي من تعقيد الأزمة السودانية أكثر، لا سيما مع استمرار نزوح مئات الآلاف من المدنيين، وتدهور الأوضاع الإنسانية. كما أن الاتهام المباشر لدولة خليجية وازنة، كالإمارات، قد يدفع باتجاه تكتلات جديدة إقليمياً، ويعيد خلط الأوراق في صراع لم تعد أطرافه من داخل السودان فحسب، بل بات ساحة لتجاذبات قوى إقليمية ودولية.
في ظل كل هذه المعطيات، يبقى السؤال مفتوحاً: هل يكون هذا التصعيد بداية لنهاية الحرب عبر تدويلها أم بوابة لمزيد من الفوضى والانقسام؟ الأيام القادمة وحدها ستحمل الإجابة.