في محاولة جادة لإنعاش اقتصادها المتعثر، أعلنت الصين عن سلسلة من الإجراءات النقدية والمالية الهامة، تهدف بشكل أساسي إلى تعزيز الائتمان وتحفيز النشاط الاقتصادي. وتأتي هذه الخطوات في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بما في ذلك تباطؤ الاستهلاك وتداعيات الحرب التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الآثار المتبقية لجائحة كوفيد-19 وأزمة مطولة في قطاع العقارات.
وكشف محافظ البنك المركزي الصيني، بان غونغشنغ، خلال مؤتمر صحفي عن قرار بخفض نسبة الاحتياطي الإلزامي المفروض على البنوك التجارية بمقدار 0.5 نقطة مئوية. ويُعد هذا الإجراء أداة رئيسية تستخدمها البنوك المركزية لتحفيز الإقراض، حيث أن خفض الاحتياطي الإلزامي يتيح للبنوك الاحتفاظ بنسبة أقل من الودائع في خزائنها، مما يمنحها القدرة على منح المزيد من القروض للأفراد والشركات، وبالتالي ضخ سيولة جديدة في الاقتصاد.
بالتوازي مع ذلك، أعلن محافظ البنك المركزي عن خفض آخر في أسعار الفائدة، حيث تقرر خفض نسبة الفائدة على عمليات إعادة الشراء العكسية لمدة 7 أيام (الريبو العكسي) من 1.5% إلى 1.4%. وتعتبر عمليات الريبو العكسي أداة تستخدمها البنوك المركزية لضخ السيولة في النظام المصرفي على المدى القصير، وخفض الفائدة عليها يقلل من تكلفة الاقتراض على البنوك، مما يشجعها على تقديم قروض بأسعار فائدة أقل، وبالتالي تحفيز الاستثمار والاستهلاك.
وأوضح بان غونغشنغ أن هذه القرارات المتخذة تستهدف بشكل خاص دعم الابتكار التكنولوجي، الذي تعتبره الصين محركًا أساسيًا للنمو المستقبلي، بالإضافة إلى تحفيز الاستهلاك المحلي، الذي يمثل تحديًا كبيرًا للاقتصاد الصيني في الفترة الحالية. ويأتي هذا التركيز في سياق سعي الحكومة الصينية لتحويل نموذج النمو الاقتصادي من الاعتماد على الاستثمار والصادرات إلى نموذج أكثر توازنًا يعتمد على الاستهلاك الداخلي والابتكار.
وفي خطوة إضافية تهدف إلى دعم قطاع العقارات المتعثر، أعلن محافظ المصرف المركزي أن الصين ستخفض أيضًا أسعار الاقتراض لكل من يشتري عقارًا للمرة الأولى. وأوضح أن نسبة الفائدة على القروض العقارية للراغبين بشراء منزل لأول مرة بقروض تزيد مدتها عن 5 سنوات ستنخفض من 2.85% إلى 2.6%. ويعكس هذا الإجراء قلق الحكومة الصينية بشأن الأزمة المستمرة في قطاع العقارات وتأثيرها السلبي على الاقتصاد ككل، حيث أن دعم مشتري المنازل لأول مرة يمكن أن يساعد في تنشيط الطلب في هذا القطاع الحيوي.
تمثل هذه الإجراءات النقدية والمالية سلسلة من المحاولات التي تبذلها الصين لمواجهة التحديات الاقتصادية المتزايدة وضمان استمرار النمو. ومع ذلك، يظل السؤال مطروحًا حول مدى فعالية هذه الإجراءات في تحقيق الأهداف المرجوة في ظل الظروف الاقتصادية العالمية والإقليمية المعقدة. ويتعين مراقبة تأثير هذه السياسات على المدى القريب لتحديد ما إذا كانت ستنجح في إعادة الاقتصاد الصيني إلى مسار النمو المستدام.