زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت في 21 مايو تحظى بأهمية استثنائية في هذا التوقيت الحرج، إذ تتقاطع مع مساعٍ لبنانية متصاعدة لبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها، بما يشمل المخيمات الفلسطينية التي طالما اعتُبرت مناطق خارجة عن سلطة الجيش اللبناني. هذه الزيارة تحمل في طياتها دلالات سياسية وأمنية حساسة، وتأتي في سياق إعادة تعريف العلاقة بين الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية داخل المخيمات، وسط ضغط إقليمي ودولي لتحقيق الاستقرار الداخلي في لبنان.
تنظيم الوضع الأمني داخل المخيمات
الزيارة تعكس أولاً تحركاً ديبلوماسياً متوازناً من قبل الرئيس عباس، الذي يدرك خطورة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية، ليس فقط في الداخل الفلسطيني، بل أيضاً في مواقع الشتات، حيث أصبحت بعض المخيمات عرضة للاختراق الأمني، والتحول إلى منصات لصراعات إقليمية. في هذا الإطار، يبدو أن عباس يسعى إلى النأي بالمخيمات الفلسطينية في لبنان عن لعبة المحاور، خاصة مع تصاعد التوترات بين إسرائيل و”حزب الله”، وتكرار عمليات إطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية باتجاه إسرائيل، والتي نُسبت أحياناً إلى فصائل فلسطينية، ما يزيد من هشاشة وضع اللاجئين.
كما تشير الزيارة إلى وجود تفاهم ضمني أو أولي بين السلطة الفلسطينية والدولة اللبنانية على ضرورة إعادة تنظيم الوضع الأمني داخل المخيمات، بطريقة تحفظ كرامة اللاجئين وحقوقهم، وتقلص في الوقت نفسه من مساحة الفوضى التي تستغلها بعض القوى. هذا التحرك يتماشى مع نوايا الجيش اللبناني المعلنة لنزع السلاح الثقيل والمتوسط في المخيمات، وهو هدف معقد، لكنه ليس مستحيلاً إذا ما توفرت الإرادة السياسية والتفاهم بين الأطراف المعنية.
نزع كامل للسلاح
مع ذلك، يبقى نزع سلاح الفصائل داخل المخيمات الفلسطينية ملفاً شائكاً ومفتوحاً على احتمالات متعددة. فهناك فصائل، خصوصاً “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، تعتبر أن سلاحها جزء من منظومة “المقاومة”، وترفض تسليمه حتى لو كان داخل أراضي دولة مضيفة كلبنان.
كما أن بعض القوى اللبنانية تتعامل مع هذا السلاح بتساهل أو حتى دعم ضمني، في إطار حسابات داخلية أو إقليمية. بالتالي، فإن تحقيق نزع كامل للسلاح قد يصطدم بممانعة سياسية وأمنية من داخل المخيمات، بل وربما يؤدي إلى توترات أمنية جديدة في حال تم دون توافق.
ضبط الأمن داخل المخيمات
لكن، وجود شخصية مثل عباس، المعروف بنهجه الدبلوماسي ورفضه للأنشطة العسكرية خارج إطار السلطة الفلسطينية، قد يُساعد في التمهيد لحوار داخلي فلسطيني – فلسطيني، يهدف إلى ضبط الأمن داخل المخيمات، وربما تسليم السلاح الثقيل تدريجياً للسلطات اللبنانية، دون المساس بالأمن الذاتي للفلسطينيين، الذي يُعتبر من خطوطهم الحمراء.
يمكن اعتبار هذه الزيارة محاولة لترتيب البيت الفلسطيني في لبنان، ووضع المخيمات في إطار قانوني وأمني أكثر وضوحاً. نجاح هذه الخطوة يعتمد بشكل كبير على قدرة عباس على إقناع الفصائل، ومدى استعداد الدولة اللبنانية لتقديم ضمانات بعدم استهداف اللاجئين أو تهميشهم، في مقابل تسوية أمنية تحفظ السيادة وتقلص مساحة الفوضى. الملف لا يزال مفتوحاً، لكنه اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى أن يُطرح بجدية على طاولة التفاوض.