إغلاق المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في القدس الشرقية المحتلة يمثل تصعيدًا خطيرًا في استهداف البنية التعليمية الفلسطينية، ويُعد انتهاكًا صارخًا للحق الأساسي في التعليم كما كفلته المواثيق الدولية، وعلى رأسها اتفاقية حقوق الطفل. هذا الإجراء الإسرائيلي لا يمكن قراءته إلا في سياق سياسة ممنهجة تهدف إلى تقويض الوجود الفلسطيني في المدينة المحتلة، وضرب أحد أهم أدوات الصمود الوطني وهي المؤسسة التعليمية.
الهوية الفلسطينية
المدارس التابعة للأونروا لا توفر فقط التعليم الأكاديمي، بل تمثل حاضنة للهوية الفلسطينية، وملاذًا آمنًا للأطفال اللاجئين في ظل واقع من العنف والحرمان. استهداف هذه المدارس يعكس محاولة إسرائيلية لسحب الشرعية من الوكالة، ودفعها إلى الخروج من القدس ضمن خطة أوسع لإلغاء صفة اللاجئ، وتقليص تأثير المؤسسات الدولية التي لا تتماشى مع الرواية الإسرائيلية.
تداعيات هذا القرار تتجاوز القدس وحدها، إذ يُعتبر مؤشراً على توسيع رقعة العدوان ليشمل القطاع التعليمي في عموم فلسطين. فالعدوان العسكري على غزة ترافق مع تدمير ممنهج للبنية التحتية التعليمية هناك، حيث دُمّرت مئات المدارس، بعضها بالكامل، وبعضها تحول إلى ملاجئ للنازحين. إضافة إلى أن آلاف الطلبة حرموا من الوصول إلى التعليم بسبب القصف، أو النزوح القسري، أو الحصار المفروض.
هذا التآكل في النظام التعليمي الفلسطيني بات يُهدد أجيالاً كاملة من الأطفال والشباب، ليس فقط بحرمانهم من التعليم، بل بتدمير مفهوم الاستقرار والحق في مستقبل كريم. التعليم في فلسطين لم يعد مجرد عملية تدريسية، بل هو شكل من أشكال المقاومة الثقافية، والتمسك بالوجود، والدفاع عن الحقوق، وهو ما يجعل استهدافه هدفاً استراتيجياً في الحرب الإسرائيلية المفتوحة.
أبعاد سياسية وثقافية خطيرة
الجهات الدولية مطالبة اليوم بأكثر من مجرد الإدانة اللفظية، فالصمت أو الاكتفاء بالشجب يعطي الضوء الأخضر لتكرار مثل هذه الانتهاكات. يجب فرض ضغوط سياسية حقيقية لإلزام إسرائيل باحترام التزاماتها القانونية كقوة احتلال، ووقف الإجراءات التي تستهدف الأطفال الفلسطينيين في حقهم بالتعلم، والتعبير، والحياة.
إغلاق مدارس الأونروا في القدس ليس مجرد قرار إداري، بل خطوة عدوانية تحمل أبعاداً سياسية وثقافية خطيرة، تهدف إلى تفريغ المدينة من مؤسساتها الوطنية والإنسانية، وتكريس واقع الاحتلال كأمر طبيعي. أما فلسطين، ففي كل مدرسة تُغلق، تُفتح جبهة جديدة من الصراع على الوعي، والكرامة، والحق في البقاء.