في خضم العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، يأتي موقف حركة “حماس”، الرافض لتقديم تنازلات، من أجل التمسك بحكم غزة، التي تتعرض لأبشع موجة من الحصار والقصف، وتُزهق فيها أرواح آلاف المدنيين، حيث تظهر “حماس” بموقف متعنت تجاه كل ما يُعرض من اتفاقات أو مبادرات.
هذا الإصرار قد يبدو في ظاهره موقفاً مبدئياً مبنياً على منطق “الكرامة الوطنية” و”الحقوق غير القابلة للتنازل”، لكن في عمقه يكشف عن تعقيد بالغ في العلاقة بين القيادة السياسية والعسكرية لحماس، وبين الواقع الإنساني المرير الذي يعيشه المدنيون في القطاع. فمع كل جولة من المفاوضات تتأخر، تُدفع الأثمان من دماء النساء والأطفال، ويتزايد القلق من أن مواقف الحركة باتت تراعي حسابات سياسية داخلية وإقليمية أكثر من مراعاتها لضرورات إنقاذ الحياة.
موقف حماس لا يلين في المفاوضات
في هذا السياق، يُطرح سؤال حاسم: هل ما زال التمسك بشروط قصوى في ظل توازنات قوى مختلة يُعد موقفاً مقاوماً عقلانياً، أم أنه انحراف عن الأولوية الإنسانية؟ لا شك أن المقاومة في وجه الاحتلال حق مشروع ومضمون في القانون الدولي، لكن حين يتحول هذا الحق إلى تمترس سياسي يُغلق أبواب الحلول، فإن خطورة الانعكاسات تتجاوز السياسة إلى كارثة إنسانية مكتملة الأركان.
الانتقادات الموجهة لحماس لا تأتي فقط من الخارج أو من خصومها السياسيين، بل بدأت تتسرب من داخل المجتمع الغزي نفسه، خاصة من العائلات التي فقدت أبناءها تحت الأنقاض، والتي ترى أن خيارات الحرب أصبحت عبئاً متكرراً يدفع ثمنه الشعب لا القادة. صحيح أن إسرائيل تتحمل المسؤولية الأكبر في الكارثة الجارية، من خلال سياساتها التدميرية والحصار والتجويع، لكن موقف حماس الذي لا يلين في المفاوضات قد يُفسر لدى البعض بأنه تمسّك بمصالح فئوية أو حزبية، لا بمصلحة وطنية عليا تنقذ ما يمكن إنقاذه.
كسب نقاط سياسية
كما أن تعقيدات المشهد الإقليمي، ووجود وسطاء مثل قطر ومصر، والضغوط الأميركية المتزايدة، تجعل من الاستعصاء السياسي لحماس نقطة توتر داخل أروقة التفاوض، حيث يرى الوسطاء أن المرونة أصبحت ضرورة لا ترفاً، لا سيما حين تلوح في الأفق فرص حقيقية لوقف مؤقت على الأقل، يُتيح دخول المساعدات، ويمنح المدنيين استراحة مؤقتة من آلة الحرب.
ورغم أن حماس قد تُراهن على كسب نقاط سياسية من خلال صمودها، إلا أن خطر استمرار هذا النهج دون تقدير لحجم المأساة قد يؤدي إلى عزلة سياسية متزايدة، وربما تراجع في الدعم الشعبي داخل غزة نفسها، حيث تحلّ الأسئلة الصعبة محل الشعارات. فالشارع لا يريد فقط “الكرامة”، بل يريد الحياة، التعليم، الأمن، والمستقبل.