بدأت الحكومة اللبنانية، بدعم مباشر من الولايات المتحدة، إجراءات أمنية واسعة النطاق لاستعادة السيطرة الكاملة على مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، الذي ظلّ لفترة طويلة يُستخدم من قبل حزب الله كممر استراتيجي لتمويل أنشطته ونقل الأسلحة.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مصادر أمنية لبنانية أن عشرات الموظفين العاملين داخل المطار، والمشتبه في ارتباطهم بحزب الله، تم فصلهم من مناصبهم خلال الأسابيع الماضية، ضمن عملية تطهير إداري شملت وحدات المراقبة والجمارك والخدمات الأرضية.
ومن أبرز الإجراءات التي اتُّخذت أيضًا وقف جميع الرحلات القادمة من إيران إلى بيروت منذ فبراير/شباط الماضي، إلى جانب فرض تفتيش دقيق دون استثناء على جميع الركاب والبضائع، في سابقة تؤشر إلى تحوّل كبير في مستوى الرقابة داخل المطار.
وفي هذا الإطار، شرعت الحكومة اللبنانية في تركيب منظومة مراقبة متطورة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، تشمل التعرف على الوجوه، وتحليل الأنماط السلوكية داخل صالات المطار، في محاولة لتعزيز الشفافية وكشف أي محاولات تهريب.
وبحسب مسؤولين لبنانيين، فإن استعادة المطار تأتي في سياق أوسع لمحاصرة الشبكات اللوجستية والمالية التابعة لحزب الله، الذي يُعدّ حليفًا استراتيجيًا لإيران، ويُشتبه في استخدامه المطار كمنفذ رئيسي لاستقبال أموال وأسلحة عبر رحلات من طهران وبغداد.
وفي عملية أمنية نُفّذت مؤخرًا، تمكنت السلطات من إحباط تهريب أكثر من 22 كيلوغرامًا من الذهب كانت موجهة لحزب الله، وهو ما يُظهر تغيرًا جوهريًا في أساليب التعامل مع هذا الملف الحساس.
وقال رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، في تصريحات للصحيفة الأميركية: “بإمكانكم أن تشعروا بالفرق. نحن للمرة الأولى في تاريخ لبنان المعاصر نحقق أداءً أفضل في مكافحة التهريب واستعادة السيادة على مطارنا الرئيسي”.
وكان مطار بيروت، الذي يقع في منطقة تعتبر تقليديًا خاضعة لنفوذ حزب الله جنوب العاصمة، واحدًا من أبرز رموز النفوذ غير الرسمي للحزب داخل مؤسسات الدولة، وواجهة مفتوحة على الصراعات الإقليمية، لا سيما مع إسرائيل التي لطالما اتهمت إيران باستخدام المطار لنقل الأموال والسلاح.
وفي هذا السياق، حذّرت تل أبيب مرارًا من أن المطار قد يتحول إلى “هدف مشروع” إذا ثبت استمرار تدفق الدعم العسكري من طهران عبره، ما دفع بيروت إلى تشديد إجراءات التفتيش، حتى في وجه الحقائب الدبلوماسية القادمة من إيران، كما حدث في يناير/كانون الثاني الماضي، عندما تم اعتراض أحد موظفي السفارة الإيرانية بعد رفضه تفتيش حقيبته.
هذه الإجراءات تتزامن مع تطورات عسكرية جنوب البلاد، حيث يواصل الجيش اللبناني، بالتعاون مع قوات دولية، إزالة مخازن وأوكار أسلحة تابعة لحزب الله، تنفيذًا للشرط الرئيسي ضمن اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، الموقع في نوفمبر الماضي، ما يُمهّد لإعادة التوازن الأمني في الجنوب، وتقويض الهيمنة العسكرية للحزب.
كما شكّلت الضربات الإسرائيلية الأخيرة، التي طالت مواقع استراتيجية لحزب الله وأسفرت عن مقتل قادته البارزين، من بينهم الأمين العام حسن نصرالله ونائبه هاشم صفي الدين، فرصة نادرة للحكومة اللبنانية لتعزيز سلطتها، خاصة مع انتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، وهو المعروف بموقفه الحازم تجاه حصر السلاح بيد الدولة.
في ظل هذه المتغيرات، يبدو أن لبنان يدخل مرحلة جديدة من استعادة المؤسسات السيادية، في ما يمكن وصفه بـ”تفكيك ناعم” لشبكة النفوذ التي أسسها حزب الله على مدار سنوات، خاصة في مطار بيروت، الذي يُعدّ شريانًا اقتصاديًا وأمنيًا محوريًا للدولة اللبنانية.