تُواجه عملية إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة تعقيدات شديدة، تُسلّط الضوء على عمق الأزمة الإنسانية التي يمر بها القطاع المحاصر، وتكشف في الوقت نفسه عن تعنّت واضح من قبل إسرائيل في التعاطي مع هذا الملف، رغم الدعوات المتكررة من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية. وكالة “أونروا”، باعتبارها الجهة الأممية الأساسية العاملة في غزة، عبّرت بوضوح عن استعدادها الكامل لتوسيع نطاق عملياتها، مشيرة إلى وجود آلاف الشاحنات الجاهزة للدخول، في وقت يستمر فيه الحصار لأكثر من تسعة أسابيع متواصلة، دون أي بوادر لانفراجه.
توزيع المساعدات شبه مستحيل
إسرائيل، من جهتها، لا تزال تمنع دخول كافة أشكال الإمدادات — الإنسانية، الطبية، وحتى التجارية — ما أدّى إلى تفاقم الأوضاع بشكل غير مسبوق. هذا الحصار المستمر لا يُلحق ضرراً آنياً فقط، بل يترك تأثيرات طويلة المدى قد يصعب إصلاحها، خصوصاً في ظل انهيار النظام الصحي، ونقص المياه النظيفة، والغذاء، ومستلزمات الحياة الأساسية لنحو 2.4 مليون فلسطيني داخل القطاع. الموقف الإسرائيلي الرسمي يربط استمرار الحصار بقضية الرهائن المحتجزين لدى حماس، وهو ربط سياسي ـ عسكري يجعل من المساعدات الإنسانية أداة ضغط بيد تل أبيب، على حساب حياة المدنيين.
الانتقادات الدولية تتصاعد. تصريح وكالة “أونروا” بأن غيابها سيجعل من توزيع المساعدات «شبه مستحيل» في غزة، يعكس حجم الدور المحوري الذي تلعبه الوكالة الأممية، رغم محدودية الموارد. ورفض الأمم المتحدة المشاركة في أي عملية توزيع لا تحترم مبادئ الحياد والاستقلالية، يضع علامات استفهام جدية حول المقترحات الإسرائيلية لتوزيع المعونات عبر مراكز يديرها الجيش الإسرائيلي، وهو ما يُفقد المساعدات معناها الإنساني ويحوّلها إلى أدوات سياسية.
تعنّت سياسي من إسرائيل
ورغم إعلان الولايات المتحدة عن مؤسسة جديدة لإدارة المساعدات في غزة، فإن غموض تفاصيل هذه المؤسسة، وعدم وضوح آلية عملها، يثيران قلقاً حقيقياً بشأن مستقبل الإغاثة في القطاع، خاصة أن مثل هذه المؤسسات لا تملك بنية تحتية جاهزة ولا كوادر ميدانية بالحجم الذي تمتلكه “أونروا”، التي تضم أكثر من 10 آلاف موظف على الأرض.
في النهاية، يتبيّن أن الصعوبة في دخول المساعدات إلى غزة ليست نتيجة ظروف لوجستية أو عجز إنساني، بل هي نتيجة مباشرة لتعنّت سياسي واضح من قبل إسرائيل، ورفضها السماح بتدفق الإمدادات الأساسية دون شروط مسبقة. هذا النهج، كما تُحذّر الوكالات الأممية، لا يهدد فقط حياة المدنيين، بل يُظهر تراجعاً خطيراً في الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، ويطرح تساؤلاً أخلاقياً كبيراً: هل باتت الإنسانية رهينة للقرارات السياسية؟