أعلنت حركة حماس، الإثنين، أن جناحها العسكري، كتائب القسام، قام بتسليم الجندي الإسرائيلي الأمريكي إيدان ألكسندر إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، بعد أشهر من الغموض الذي اكتنف مصير الجنود الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية. هذه الخطوة، التي تمّت في خضم معارك لا تزال مشتعلة، أعادت تحريك المياه الراكدة في ملف التهدئة، وفتحت الباب مجددًا أمام احتمال استئناف محادثات وقف إطلاق النار التي تعثرت مرارًا في الأشهر الماضية.
حماس، من جهتها، لم تقدم إطلاق الجندي كتنازل أحادي، بل ربطته صراحة باستعدادها للانخراط في “مفاوضات للوصول إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار بشكل مستدام”، في إشارة واضحة إلى محاولة استثمار الحدث سياسيًا لتحريك العجلة الدبلوماسية التي أصابها الجمود بفعل تعنت الطرفين وشروطهما المتعارضة. الحركة التي تقاتل منذ شهور في ظل أوضاع إنسانية مروعة داخل القطاع، بدت حريصة على إظهار انفتاحها على الحلول السياسية، مقابل ما تعتبره “رفعًا كاملاً للحصار وضمانات دولية بوقف دائم للعدوان الإسرائيلي”.
في المقابل، أكد الجيش الإسرائيلي استلامه للجندي ألكسندر، مشيرًا إلى أنه في طريقه إلى تل أبيب، حيث ينتظره والده ووالدته في قاعدة رعيم العسكرية، برفقة المبعوثين الأمريكيين ستيف ويتكوف وآدم بولر. هذا الاستقبال الرسمي الذي شارك فيه دبلوماسيون أمريكيون، يعكس حجم الاهتمام الذي أولته واشنطن لقضية الجندي، ليس فقط من منظور إنساني، بل أيضًا من زاوية رمزية تتصل بعلاقاتها المعقدة مع إسرائيل وملف الرهائن ككل.
https://x.com/wodniweht/status/1921957151670505974
المفارقة أن هذا التطور يأتي بعد أسابيع من تشدد الحكومة الإسرائيلية في مواقفها التفاوضية، وسط تصاعد الضغوط الداخلية على بنيامين نتنياهو من عائلات الأسرى والجمهور الإسرائيلي، الذين يرون في المماطلة الرسمية تعريضًا لأرواح ذويهم للخطر، فضلاً عن الاتهامات المتزايدة بأن المسار العسكري وحده لم يحقق أهدافه المعلنة. وقد تعزز خطوة القسام هذه من الأصوات داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي تنادي منذ أشهر بانتهاج مقاربة مزدوجة تشمل العمليات العسكرية والمفاوضات غير المباشرة، خاصة في ظل فشل الجيش في القضاء على البنية القيادية لحماس رغم الكلفة البشرية والدمار الهائل الذي لحق بالقطاع.
على الصعيد الدولي، يُرجَّح أن تجد هذه المبادرة صدى إيجابيًا في واشنطن وباريس والدوحة، العواصم الثلاث التي تقود وساطة ثلاثية متواصلة بين تل أبيب والحركة، وتبحث عن أي مؤشر يمكن البناء عليه لدفع الأطراف نحو اتفاق مرحلي يتضمن إطلاق مزيد من الرهائن مقابل هدنة إنسانية تمتد لأسابيع، على غرار اتفاق نوفمبر الماضي. ولا يُستبعد أن تشكل عملية تسليم ألكسندر مدخلًا لطرح تسوية أوسع تشمل ترتيبات لإعادة إعمار غزة، وضمانات أمنية متبادلة، وتخفيف للحصار، ضمن تفاهمات طويلة الأمد تتجاوز منطق الهدن المؤقتة.
لكن الواقع الميداني لا يزال هشًا. فالغارات الإسرائيلية لم تتوقف، وكتائب القسام واصلت عملياتها في بعض الجيوب القتالية، في وقت تزداد فيه التقديرات بأن حماس تحتفظ بعدد من الجنود والمدنيين، وهو ما يمنحها أوراق ضغط تفاوضية إضافية. وفي ظل هذا التوازن الدقيق، تظل مسألة التوقيت حاسمة: هل يسبق هذا الانفتاح جولة عنف جديدة، أم يتم التقاط الفرصة قبل انزلاق الأمور مجددًا نحو المجهول؟
في كل الأحوال، لم يكن إطلاق سراح إيدان ألكسندر حدثًا عابرًا. بل قد يشكل بداية لمرحلة جديدة إن أحسن الجميع قراءته سياسيًا بعيدًا عن منطق المكاسب الآنية. ويبقى السؤال المفتوح: هل تنجح هذه الخطوة في كسر دائرة الدم، أم أنها ستُستهلك إعلاميًا ثم تُطوى كسابقاتها في أدراج التعنت والتصعيد؟