لم تكن خيمة النزوح في مركز التدريب المهني بمدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، سوى ملاذ مؤقت لمجموعة من الشباب الذين فرّوا من ويلات القصف المتواصل، علّهم يجدون شيئًا من الأمان في ركن ظلّ بعيدًا نسبيًا عن خطوط النار. لكن مساء الاثنين، حوّلت غارة إسرائيلية هذا الملاذ إلى موقع استشهاد جديد، بعدما استهدفت طائرات الاحتلال المبنى بشكل مباشر، ما أسفر عن استشهاد ثلاثة مواطنين وإصابة آخرين، في جريمة جديدة تضاف إلى سلسلة المجازر التي ترتكب يوميًا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع في السابع من أكتوبر 2023.
الشهداء الثلاثة هم بدر ياسر نبيل المعشر (19 عامًا)، ومحمد مهدي شوكت العطار (19 عامًا)، ويوسف أنور زاهد قطوم (22 عامًا). وجميعهم من فئة عمرية تعكس البعد التراجيدي الإنساني لهذا العدوان، إذ تسقط الضحايا في مقتبل العمر، وغالبيتهم من المدنيين الذين لا صلة لهم بالعمليات القتالية. بحسب شهود عيان، فإن الخيمة المستهدفة لم تكن تحتوي على أي نشاط عسكري، بل كانت مخصصة لإيواء نازحين فرّوا من مناطق مجاورة تعرّضت للقصف في الأيام الماضية.
وفي تطور موازٍ يعكس خطورة التصعيد، استشهد الصحفي الفلسطيني حسن إصليح، مساء الاثنين، جراء قصف نفذته طائرة مسيّرة إسرائيلية استهدف قسم الحروق في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس، حيث كان يتلقى العلاج منذ إصابته قبل نحو شهر إثر غارة استهدفت خيمة للصحفيين. وتعرض خلال القصف ذاته عدد من الجرحى، في هجوم وصفته وسائل إعلام فلسطينية بـ”عملية اغتيال متعمدة” طالت أحد أبرز الوجوه الإعلامية في الجنوب.
استشهاد إصليح، الذي وُثقت إصابته السابقة على يد طائرات الاحتلال، يكشف إصرار إسرائيل على تتبع الأهداف المدنية والصحفية داخل القطاع حتى داخل المستشفيات، في خرق فاضح لكل الأعراف والمواثيق الدولية التي تحمي المؤسسات الطبية والإعلامية. ومع ذلك، برر جيش الاحتلال القصف بأنه استهدف “مركز قيادة تابع لحركة حماس داخل المستشفى”، وهي رواية أثارت موجة تنديد واسعة، خصوصًا أنها أعقبت سلسلة اتهامات باطلة وعلنية كان قد أطلقها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، في أبريل الماضي، حين زعم أن إصليح عنصر في حماس وشارك في هجوم السابع من أكتوبر.
وبينما تؤكد عائلة إصليح وزملاؤه أنه لم يكن سوى صحفيًا ميدانيًا ينقل وقائع المأساة من قلب الحدث، تواصل الرواية الإسرائيلية استخدام تهمة “الأنشطة الإرهابية” كمبرر دائم لتبرير استهداف المدنيين، وهي استراتيجية أثبتت فشلها في إقناع المجتمع الدولي، ولكنها لا تزال توفر غطاءً سياسيًا وإعلاميًا داخليًا لآلة القتل العسكرية.
هذه المجازر تأتي ضمن تصعيد متواصل خلّف حتى الآن أكثر من 52,862 شهيدًا، غالبيتهم من النساء والأطفال، وأكثر من 119,648 جريحًا، في حصيلة مرشحة للارتفاع في ظل تعذّر وصول طواقم الإسعاف إلى المناطق المدمرة. وقد وثقت مصادر طبية استشهاد 42 فلسطينيًا على الأقل في قصف الاثنين وحده، في حين تزداد المعاناة الإنسانية في مراكز الإيواء والمستشفيات التي باتت بدورها أهدافًا محتملة للغارات.
ما جرى في خان يونس، سواء في خيمة النزوح أو داخل مجمع ناصر الطبي، لا يمكن النظر إليه بمعزل عن نمط أوسع من العمليات التي تستهدف تفكيك ما تبقى من النسيج المجتمعي في غزة، وكسر إرادة البقاء لدى سكانها، حتى وهم جرحى أو نازحون أو حاملون لكاميرا صحفيّة. وفي ظل عجز المنظمات الدولية عن فرض حماية فعالة، فإن استمرار هذه الانتهاكات مرهون فقط بميزان الردع السياسي الذي لا يبدو أنه سيتغيّر قريبًا، ما دامت بعض العواصم الكبرى تكتفي بالبيانات المتوازنة في وجه جرائم غير متوازنة على الإطلاق.