في ظل اتساع رقعة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لا تزال الضفة الغربية والقدس المحتلة تشهدان تصعيدًا موازيًا يأخذ طابعًا ممنهجًا، يترجم عبر الاقتحامات الليلية والاعتقالات الجماعية، إلى جانب تصاعد وتيرة اعتداءات المستوطنين، في مشهد يبدو كأنه استكمال ميداني لحرب متعددة الجبهات ضد الوجود الفلسطيني.
فمع ساعات فجر الاثنين، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم بلاطة شرق نابلس، واعتقلت الشاب براق مشة بعد تفتيش منزله، في عملية أعادت إلى الأذهان مشاهد الاشتباكات المتكررة في هذا المخيم الذي يشكّل بؤرة مقاومة شعبية متواصلة. وفي الوقت ذاته، امتدت الاعتقالات إلى مدينة طولكرم، حيث تم توقيف الشابين عصام عودة وفادي السلمان، بينما حاصرت القوات الإسرائيلية منزلاً في بلدة قفين شمال المدينة، بحجة وجود مقاوم فلسطيني بداخله، مطالبةً عبر مكبرات الصوت بتسليم نفسه، في خطوة تكررت مرارًا ضمن أسلوب الضغط النفسي والتضييق الجماعي.
وفي محافظة بيت لحم، واصلت قوات الاحتلال عمليات المداهمة التي باتت شبه يومية، واعتقلت كلاً من أحمد موسى عطالله من بيت ساحور، ومحمود عادل الفروخ، وباسم عبد المجيد كوازبة من قرية المنية، بعد تفتيش عنيف لمنازلهم، وانسحبت لاحقًا من قريتي بيت تعمر وزعترة، بعد ساعات من المداهمات العشوائية التي أرعبت السكان، وخصوصًا الأطفال.
أما في القدس المحتلة، فقد بلغ التصعيد ذروته من خلال حملة اعتقالات جماعية في الضاحية وشارع المطار، حيث شارك المستوطنون في ملاحقة الشبان واحتجازهم إلى حين وصول قوات الجيش. وتركزت الاعتقالات ضد فلسطينيين من حملة هوية الضفة الغربية، في سياسة تمييزية تنتهك أبسط مبادئ القانون الدولي، وتعيد إنتاج مشهد القمع الجماعي في قلب المدينة المحتلة.
ولم تكن الاعتقالات والاقتحامات الوجه الوحيد للتصعيد، إذ أقدم مستوطنون على إحراق أراضٍ زراعية في بلدة برقة شمال غرب نابلس، في اعتداء متعمد ومنظم يستهدف البنية الاقتصادية الفلسطينية. ووفق شهود عيان، فقد تمت العملية تحت أنظار قوات الاحتلال، في مشهد يكشف حجم التواطؤ بين الجيش والمستوطنين ضمن إطار “تقاسم الأدوار”، حيث يتولى المستوطنون التخريب المباشر بينما يحصّنهم الجيش بالحماية والإفلات من العقاب.
التصعيد المتواصل في الضفة الغربية ليس معزولًا عن سياق الحرب الشاملة على غزة، بل يأتي كجزء من استراتيجية الضغط المتوازي، عبر فتح جبهة داخلية تشغل الفلسطينيين وتمنعهم من التحرك الجماعي في وجه العدوان. ووفق إحصائيات رسمية، فقد استشهد منذ 7 أكتوبر أكثر من 962 فلسطينيًا في الضفة الغربية، وأصيب ما يقارب 7 آلاف آخرين، في حين تجاوز عدد المعتقلين 17 ألفًا، في واحدة من أوسع حملات الاعتقال منذ سنوات.
هذا التصعيد المزدوج يعكس إصرار حكومة الاحتلال على استغلال لحظة الحرب لإعادة هندسة المشهد الفلسطيني برمّته، من خلال تفكيك المجتمعات المحلية، وإضعاف البنية التنظيمية والاجتماعية للفلسطينيين في كافة مناطق تواجدهم، ضمن سياسة تُدار بعقلية أمنية توسعية لا ترى في الفلسطيني إلا تهديدًا يجب احتواؤه بالقوة.
في ظل هذا المشهد، تتصاعد المخاوف من انفجار ميداني شامل في الضفة الغربية، في حال استمرار الاحتلال والمستوطنين في توسيع دائرة الانتهاكات، خصوصًا مع ازدياد الحشود العسكرية ومؤشرات التصعيد في محيط المدن الكبرى، وسط غياب أي تدخل دولي جاد يمكن أن يفرمل عجلة القمع المتسارعة.