في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون إسرائيل على أعتاب ذروة الموسم السياحي السنوي مع حلول فصل الربيع وبداية الصيف، يشهد قطاع السياحة هناك انهيارًا غير مسبوق، نتيجة استمرار عزلة جوية فرضتها شركات الطيران الدولية الكبرى منذ اندلاع العدوان على غزة في أكتوبر الماضي. هذه العزلة لم تكن فقط ذات طابع أمني، بل تحولت تدريجيًا إلى أزمة اقتصادية خانقة ألقت بظلالها الثقيلة على الفنادق والمطاعم ووكالات السفر وشركات النقل وكل ما يرتبط بسلسلة القيمة السياحية.
مع بداية شهر مايو، كانت آمال العاملين في القطاع معلقة على استئناف الرحلات الجوية مع تحسن الأحوال الجوية وانخفاض وتيرة العمليات العسكرية نسبيًا. إلا أن الواقع جاء مغايرًا، إذ اختارت كبريات شركات الطيران الدولية أن تمدد تعليق رحلاتها إلى تل أبيب حتى منتصف يونيو على الأقل، في مؤشر واضح على عمق المخاوف الأمنية واستمرار تراجع ثقة المسافرين.
الخطوط الجوية البريطانية، واحدة من أقدم وأهم الناقلات التي تربط تل أبيب بالعالم الغربي، أعلنت إلغاء رحلاتها حتى 14 يونيو، لتسجل بذلك أطول فترة انقطاع منذ بداية الحرب. وانضمت إليها شركات أخرى مثل “إيبيريا إكسبريس” الإسبانية التي علّقت رحلاتها حتى نهاية مايو، و”طيران الهند” حتى 25 من الشهر ذاته، وشركة “ويز إير” حتى منتصف مايو، فضلًا عن “ريان إير” التي أجلت رحلاتها حتى 21 مايو.
الوضع في السوق الأمريكية ليس أفضل حالًا، إذ أوقفت شركتا “دلتا إيرلاينز” و”يونايتد إيرلاينز” رحلاتهما إلى إسرائيل حتى أواخر مايو. كما ألغت “ITA Airways” الإيطالية رحلاتها، بما فيها الرحلات المقررة في 19 مايو، فيما مددت “لوفتهانزا” الألمانية وشركاتها التابعة—النمساوية والسويسرية وبروكسل وإيرو وينغز—تعليقها حتى 18 مايو، إلى جانب شركتي “إير فرانس” و”ترانسافيا” حتى 13 من الشهر ذاته.
وبالرغم من استمرار بعض الرحلات المحدودة عبر شركات إقليمية، مثل “فلاي دبي” و”الاتحاد للطيران”، إلى جانب شركات إسرائيلية محلية مثل “إل عال” و”أركيا”، فإن هذا لا يخفف من وقع الأزمة، بل يسلّط الضوء على غياب الشركات العملاقة التي تغذي القطاع السياحي الإسرائيلي بالزوار الأوروبيين والأمريكيين ذوي الإنفاق المرتفع.
تأثير هذا الشلل الجوي انعكس مباشرة على معدلات الإشغال الفندقي التي تراجعت بشكل حاد، لا سيما في القدس وتل أبيب وحيفا، وهي المدن التي تعتمد على السياح الأجانب بشكل كبير. وتشير التقديرات الأولية إلى أن القطاع يخسر عشرات ملايين الدولارات شهريًا، نتيجة غياب السياحة الدولية، وانخفاض الحجوزات، وإلغاء المئات من الفعاليات والمعارض التي كانت مقررة لهذا الموسم.
وكالات السفر الإسرائيلية تشهد بدورها موجة إفلاس متصاعدة، بعد أن أُلغيت عقودها مع شركات الطيران الأجنبية، وأُغلقت أبواب التعاون مع منظمي الرحلات العالمية الذين باتوا يستبعدون إسرائيل من أي مسارات سياحية للعام الجاري. يرافق ذلك حالة من الذعر في أوساط المستثمرين السياحيين الذين يخشون أن تتحول الأزمة المؤقتة إلى واقع دائم إذا استمرت حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي.
وتكمن خطورة هذه الأزمة في أنها تتجاوز الخسائر المالية إلى المساس بصورة إسرائيل السياحية في العالم. فالعنف المتكرر، والاستهدافات الجوية في محيط مطار بن غوريون، وغياب التطمينات الأمنية الكافية، كل ذلك أضعف من مكانة إسرائيل كوجهة سياحية “آمنة”، وهو ما تعكسه القرارات المتتالية من قبل الشركات العالمية بإلغاء رحلاتها رغم الضغوط السياسية ومحاولات التطمين التي تقوم بها الحكومة.
من جهة أخرى، تشير بعض التحليلات إلى أن شركات الطيران لا تتخذ هذه القرارات بشكل منفرد، بل بالتنسيق مع شركات التأمين وشركات إدارة المخاطر، ما يعني أن استئناف الرحلات مرهون بتحقيق تحسّن ملموس ومستدام في الوضع الميداني، وهو أمر لا يبدو وشيكًا في ظل تعقيدات الصراع مع قطاع غزة، واحتمالات اتساع رقعة المواجهة على جبهات أخرى.
لا يبدو في الأفق ما يبعث على التفاؤل لدى العاملين في قطاع السياحة الإسرائيلية، فالوقت لا يعمل لصالحهم، والأسواق البديلة لا تسد الفجوة الكبيرة التي خلّفها غياب السائح الغربي. ومع كل يوم يمر دون استئناف الرحلات، تزداد الخسائر، وتتراجع فرص إنقاذ موسم كان يُعوّل عليه كثيرًا، ليُضاف بذلك فصل جديد إلى سلسلة أزمات الاقتصاد الإسرائيلي التي تتعمق بفعل الحرب.