جرائم السلب والنهب التي يرتكبها جنود الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والمدن الفلسطينية، تعيد إلى الأذهان المشاهد المظلمة من نكبة عام 1948، حين اقترن القتل والتهجير بالسرقة المنظمة والنهب الواسع. التاريخ يعيد نفسه، لكن بصورة أكثر توثيقاً، وبعقلية لا تزال ترى في الفلسطيني أرضاً بلا شعب، وفي ممتلكاته غنيمة حرب مشروعة.
ما يحدث اليوم في الضفة الغربية، وتحديداً في جنين ومحيطها، هو امتداد مباشر لسياسات الإذلال والاقتلاع التي تمارسها قوات الاحتلال تحت غطاء “الأمن”. اقتحام المنازل، تهجير السكان منها قسراً، وتحويلها إلى ثكنات عسكرية مؤقتة، يتبعه دائماً دمار شامل ونهب ممنهج لمحتوياتها. لكن الأدهى أن هذا السلوك يُنفّذ ليس كفعل فردي شاذ، بل كسياسة متكررة ومغطاة من أعلى مستويات الجيش، ما يجعل من هذه الأفعال جرائم حرب واضحة المعالم.
سلب ونهب وتهديد
شهادات المواطنين، كحال “أبو علاء” في جنين، تكشف عن حجم المأساة التي يخلّفها الاحتلال ليس فقط على مستوى الأرواح والبنى التحتية، بل في كرامة الناس وحياتهم الخاصة. فأن يُجبر إنسان على مغادرة منزله خلال دقائق، وأن يُهدد بالقتل إن تردد أو تراجع، ثم يعود ليجد بيته مدمّراً ومسروقاً، فذلك لا يعني فقط فقدان الممتلكات، بل انهيار الشعور بالأمان والقدرة على التملك والخصوصية، وهو ما يشكل أحد أعمق أشكال العنف الاحتلالي.
السرقة هنا ليست فقط أموالاً أو مجوهرات – رغم ضخامة ما تم الاستيلاء عليه كما في حالة أبو علاء (أكثر من 60 ألف شيقل من الذهب والنقود) – بل إنها تمتد إلى مصادرة الرمزية والذاكرة. سرقة الحواسيب، الملابس، الصور، وحتى حصالات الأطفال، لا يمكن قراءتها إلا كنوع من القهر النفسي، وكأن الجنود يريدون القول: “نستطيع أن نأخذ كل شيء… ولن تستطيعوا استعادته”.
الجيش الإسرائيلي عصابة مسلحة
هذه الممارسات ليست جديدة، فقد وثّق مؤرخون إسرائيليون، مثل آدم راز، سلوكاً مماثلاً للجيش والعصابات الصهيونية في حرب 1948، حين تم نهب البيوت، المساجد، الكنائس، وحتى جثث الضحايا. الفرق اليوم أن هذه الجرائم تُوثق بكاميرات، وتُروى بتفاصيل حيّة من أفواه الضحايا، ومع ذلك، لا يزال المجتمع الدولي يتعامل معها بتجاهل يُشكّل بحد ذاته تواطؤاً في الجريمة.
الجيش الإسرائيلي، الذي يُفترض أن يكون قوة نظامية خاضعة لقوانين الحرب والاحتلال، يتصرف اليوم كعصابة مسلحة تُمارس السطو العلني على أملاك الناس. وهو سلوك يضرب أسس القانون الدولي بعرض الحائط، ويزيد من قناعة الفلسطينيين أن هذا الاحتلال لا يسعى فقط للسيطرة على الأرض، بل لتجريد الفلسطيني من كل ما يربطه بها، حتى وإن كان سريراً أو حاسوباً أو قطعة ذهب صغيرة ورثها عن والدته.
سلوك استيطاني استعماري
إن صمت المجتمع الدولي، وتكرار هذه الانتهاكات دون محاسبة، يفتح الباب أمام ترسيخ ثقافة “الإفلات من العقاب”، ويشجع جنود الاحتلال على مزيد من الجرائم، إذ لم يعودوا يرون في الفلسطيني سوى ضحية مباحة للقتل والسرقة والتهجير.
وإذا كانت هذه السرقات تُعدّ على مستوى المظهر مجرّد تفاصيل مقارنة بالقصف والقتل والتدمير، فإنها في جوهرها تعكس سلوكاً استيطانياً استعمارياً كاملاً: ليس فقط انتزاع الأرض، بل تدمير الإنسان وسرقة حياته قطعةً قطعة.