كشفت قناة 12 الإسرائيلية، يوم الأربعاء، أن الجيش الإسرائيلي يواصل توسيع ما يُعرف بـ”المنطقة العازلة” داخل قطاع غزة، في تحرك يجعلها تغطي نحو 129 كيلومترًا مربعًا، أي ما يعادل قرابة 35% من إجمالي مساحة القطاع البالغة 360 كيلومترًا مربعًا، بحسب ما نقلته وكالة الأناضول.
ووفق التقرير، فإن هذا التمدد يتم بوتيرة ثابتة، من خلال بناء مواقع عسكرية جديدة وتغيير تدريجي لحدود غزة من الداخل، ما يعكس واقعًا عسكريًا وجغرافيًا جديدًا يُفرض على الأرض بصمت، دون إعلان صريح عن أهدافه النهائية. وقد استند التقرير إلى تحليل صور أقمار صناعية أجراها البروفيسور يعقوب غارب من جامعة بن غوريون.
القناة الإسرائيلية أكدت أن الحديث الدولي لا يزال متمحورًا حول إمكانية شنّ غزو بري شامل، بينما تُنفذ إسرائيل فعليًا ما يشبه غزوًا بطيئًا، يأخذ شكل عملية توسع مستمرة في العمق الغزّي، يرافقها تهجير قسري للسكان وهدم ممنهج للبنية التحتية.
هذا التوسع جاء في أعقاب قرار مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي، في 4 مايو/أيار، الذي أقرّ تمديد العمليات العسكرية في القطاع، مؤكدًا عزمه على “مواصلة الحرب حتى تحقيق الأهداف”، وهي صيغة باتت تُترجم عمليًا إلى فرض وقائع ميدانية تتعدى نطاق الردع العسكري نحو إعادة رسم جغرافيا القطاع المحاصر.
عودة غير معلنة لخطة فك الارتباط؟
ما يجري حاليًا يُعيد إلى الواجهة تساؤلات حول مدى ارتباط هذه السياسة الميدانية بإحياء غير معلن لخطة “فك الارتباط” التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون عام 2005. ورغم أن الخطة الأصلية قامت على الانسحاب الأحادي من غزة وتفكيك المستوطنات، فإن ما يُرصد اليوم من توسّع للمنطقة العازلة واستحداث بنية عسكرية إسرائيلية جديدة على الأرض، قد يشير إلى نسخة معكوسة من نفس الخطة: انسحاب ظاهري مع بقاء السيطرة العسكرية والسيادية الفعلية.
اللافت أن الحديث داخل الأوساط الأمنية والسياسية الإسرائيلية بات يتجنب استخدام مصطلحات مثل “احتلال” أو “ضم”، لكنه في الوقت ذاته لا يخفي هدف إبقاء غزة في حالة خنق جغرافي وعزل دائم، بما يجعل من فكرة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا أمرًا مستحيلًا من الناحية العملية.
استباق لأي تسوية سياسية
يرى مراقبون أن هذه السياسة تمثل استباقًا استراتيجيًا لأي ضغوط دولية أو مبادرات سياسية قد تُطرح في مرحلة ما بعد الحرب. فبتغيير حدود غزة فعليًا، ترسم إسرائيل ما تعتبره “خطوطًا حمراء” ميدانية قبل الدخول في أي تسوية، ما يعزز من قدرتها التفاوضية لاحقًا.
وتُضاف هذه التحركات إلى سجل طويل من السياسات الإسرائيلية الهادفة إلى إعادة تعريف الجغرافيا الفلسطينية من طرف واحد، كما حدث في الضفة الغربية من خلال جدار الفصل والمستوطنات، وكما يحدث الآن في غزة تحت غطاء أمني وعسكري.
تداعيات إنسانية وخطر التهجير الصامت
التمدّد الجديد للمنطقة العازلة لا يقتصر على أبعاد سياسية وعسكرية فحسب، بل يحمل تداعيات إنسانية واسعة النطاق. فالمناطق التي يجري إفراغها من سكانها تقع ضمن مناطق زراعية كثيفة السكان، ما يعني حرمان عشرات الآلاف من الفلسطينيين من مصادر رزقهم ومنازلهم، في ظل غياب أي ممرات آمنة أو بدائل معيشية.
وبينما تصف إسرائيل هذه الخطوة بأنها ضرورية لأمنها، ينظر إليها الكثيرون على أنها سياسة تهجير صامت تنتهك القانون الدولي، وتحول غزة إلى شريط ضيق قابل للانفجار المستمر.