بينما ينغمس أقرانهم في عالم تقلبات المراهقة وحب الشباب، يواجه بعض الشباب تحديًا فريدًا وغير متوقع: غياب كامل لمرحلة البلوغ وفقدان لحاسة الشم. هذه ليست مجرد تأخر طبيعي، بل هي علامة على متلازمة كالمان النادرة، التي كشف عنها البريطاني نيل سميث بعد 55 عامًا من الغموض.
متلازمة كالمان هي حالة وراثية معقدة تعيق أو تمنع حدوث البلوغ بشكل طبيعي، نتيجة خلل في إطلاق الهرمونات الجنسية الأساسية. وغالبًا ما يصاحب هذه الحالة فقدان حاسة الشم (anosmia)، وقد تؤثر في بعض الحالات على حاسة السمع أيضًا.
“لم أنمُ كباقي زملائي!”.. سنوات من الانتظار والتشخيص المتأخر:
يسترجع نيل سميث سنوات مراهقته قائلًا: “بدأت ألاحظ وجود مشكلة في سن الرابعة عشرة. لم تنمُ أعضائي التناسلية، لم يظهر لدي شعر في الوجه، ولم تكن لدي رائحة جسم كباقي زملائي”. ورغم هذه العلامات الواضحة، لم يشعر نيل بالخجل أو يتعرض للتنمر، وظن هو وعائلته أن الأمر مجرد “تأخر طبيعي” سيحدث بمرور الوقت. وعندما استشار طبيبه العام في سن الخامسة عشرة، لم يخضع لأي فحوصات دم، بل طُلب منه ببساطة الانتظار.
استمر الغموض يلف حالته لسنوات طويلة، حتى بلغ نيل الثالثة والعشرين من عمره، بينما كان يؤدي تدريبًا عمليًا في مستشفى “رويال فري” بلندن. في لحظة شجاعة، قرر نيل طرق باب أحد أخصائيي الغدد الصماء وسرد عليه أعراضه بالتفصيل. لم يتردد الطبيب، وبسؤال واحد حاسم: “هل تملك حاسة شم؟”، وعندما أجاب نيل بالنفي، كانت الإجابة الحاسمة: “أنت مصاب بمتلازمة كالمان”.
خلل في الدماغ.. البداية غير الصحيحة للبلوغ:
في الحالات الطبيعية، تبدأ خلايا عصبية متخصصة في الدماغ خلال فترة البلوغ بإفراز هرمونات محددة تُنشط الغدد التناسلية لإنتاج الهرمونات الجنسية الرئيسية، التستوستيرون لدى الذكور والإستروجين لدى الإناث. أما في متلازمة كالمان، فإن هذه الخلايا لا تعمل بشكل صحيح، مما يعيق بدء عملية البلوغ بشكل كامل.
ويوضح الأطباء أن أبرز أعراض متلازمة كالمان تشمل الغياب التام أو الضعف الشديد في النمو الجنسي الثانوي (مثل نمو شعر الوجه والجسم وتغير الصوت لدى الذكور ونمو الثدي وبدء الدورة الشهرية لدى الإناث)، والعقم الناتج عن عدم تطور الأعضاء التناسلية بشكل كامل، وفقدان حاسة الشم (جزئيًا أو كليًا)، بالإضافة إلى احتمال وجود ضعف في الكتلة العضلية وصغر حجم الأعضاء التناسلية لدى الذكور.
علاج محدود وتكلفة باهظة.. أمل جديد يلوح في الأفق:
بدأ نيل في تلقي علاج بالتستوستيرون لتعويض النقص الهرموني، إلا أن التغيرات كانت تدريجية ومحدودة. وبعد 18 شهرًا من العلاج، بدأ يظهر عليه شعر الوجه، وتحسنت كتلته العضلية بشكل طفيف، لكن أعضاءه التناسلية بقيت غير مكتملة النمو، ولم يتمكن من الإنجاب.
يشير الأطباء إلى أن العلاج الأمثل لمتلازمة كالمان هو استخدام هرمونات “الغونادوتروبين”، التي تُعد أكثر فعالية في تحفيز الخصيتين على النمو وإنتاج الحيوانات المنوية لدى الذكور، وتحفيز المبيضين لدى الإناث. ومع ذلك، فإن هذا العلاج مكلف للغاية، وغالبًا ما يُستخدم فقط عندما يرغب المريض في الإنجاب.
لزيادة الوعي بهذه المتلازمة النادرة وتحسين فرص العلاج المتاحة للمصابين، تُطلق جامعة كوين ماري بلندن تجربة سريرية جديدة تحت اسم “PinG”، والتي ستبدأ في سبتمبر المقبل. ستقدم التجربة علاجًا بالغونادوتروبين لـ 108 شابًا تتراوح أعمارهم بين 12 و 35 عامًا في 16 مستشفى مختلفًا في المملكة المتحدة. وتهدف الدراسة أيضًا إلى تحسين صورة الذات لدى المرضى وتعزيز ثقتهم الاجتماعية التي قد تتأثر بسبب حالتهم.
“لم أختبر لحظات المراهقة!”.. نيل يروي ويأمل في التوعية:
يختتم نيل سميث حديثه عن تجربته الشخصية قائلًا: “أبدو الآن كرجل ناضج، لدي شعر وجه وكتلة عضلية، لكني لم أتمتع بتجربة البلوغ الطبيعية، ولم أختبر تلك اللحظات الهامة التي تشكل الشخصية في سن المراهقة”. ويضيف: “أتمنى أن تساهم قصتي في توعية الآخرين بهذه المتلازمة. لا تترددوا أبدًا في طلب المساعدة الطبية المتخصصة إذا لاحظتم أي أعراض غير طبيعية، لا تنتظروا سنوات كما فعلت أنا”.