في لحظة دقيقة تشهد فيها الساحة الدولية إعادة خلط للأوراق بين أطراف الحرب في أوكرانيا، برزت إشارات دبلوماسية متبادلة بين موسكو وواشنطن حول ضرورة ترتيب لقاء مباشر يجمع الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، في وقت تزامن مع انطلاق جولة جديدة من المفاوضات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا في مدينة إسطنبول التركية.
لكن وبرغم الاهتمام الكبير الذي أبداه الطرفان بفكرة اللقاء، فإن التباين في الأولويات والمقاربات بين واشنطن وموسكو ظهر جليًا، وكشف عن فجوة لا تزال عميقة في النظرة إلى كيفية إنهاء الصراع ومقاربة الملفات العالقة بين القوتين النوويتين.
ترامب: لقاء عاجل من أجل السلام
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي يجول في المنطقة ضمن زيارات ذات طابع سياسي وشخصي، صرح من الإمارات العربية المتحدة عن رغبته الأكيدة في لقاء بوتين “في أقرب وقت ممكن”، معتبرًا أن مثل هذا اللقاء سيكون نقطة تحوّل في مسار الحرب، وقد يجعل العالم “أكثر أمانًا خلال أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع”، بحسب تعبيره.
وأضاف ترامب، خلال مؤتمر صحافي، أنه مستعد للاتصال ببوتين قريبًا، قائلًا: “أعتقد أنه حان الوقت للقيام بذلك. سنلتقي، أنا وهو، وأعتقد أننا سنحل القضية، أو ربما لا. على الأقل سنعرف إلى أين نحن ذاهبون. وإذا لم نحلّها، فسيكون الأمر مثيرًا للاهتمام بدرجة كبيرة”.
تصريحات ترامب، التي وُصفت بـ”الحماسية والمباغتة”، تلقّفها الإعلام الدولي باعتبارها محاولة لإعادة ضبط العلاقات الروسية الأميركية على إيقاع جديد، خصوصًا في ظل فتور واضح في قنوات التواصل بين الإدارتين منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا.
الكرملين: لا لقاءات بدون تحضير
الرد الروسي لم يتأخر، وجاء على لسان المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الذي عبّر عن ترحيب مشروط بعقد القمة، لكنه شدد على أن “مثل هذه اللقاءات تتطلب تحضيرًا واسعًا وإعدادًا دقيقًا”. وأضاف بيسكوف أن “الاجتماع يجب أن يكون مثمرًا ومبنيًا على أسس صلبة، ويجب أن يسبق القمة مشاورات مطوّلة بين الخبراء ومفاوضات شاملة”.
هذا الحذر الروسي يعكس رغبة الكرملين في استثمار أي لقاء على أعلى مستوى لتحقيق مكاسب استراتيجية، لا مجرد استعراض سياسي أو لقاء رمزي بلا نتائج. وقال بيسكوف إن “القمة يجب أن تكون شاملة وتناقش كل الملفات المطروحة على أجندة البلدين، لا أن تختزل فقط في أوكرانيا وقضايا الأمن”.
التفاوض في إسطنبول.. بلا أوهام
في الأثناء، بدأت جولة جديدة من المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول، وهي الأولى من نوعها منذ نحو ثلاث سنوات. وأبدت موسكو حذرًا واضحًا تجاه نتائج هذه الجولة، رغم تأكيدها أنها أعدّت وثائق تضع “آلية للتسوية”. لكنها في الوقت ذاته أعربت عن شكوكها إزاء نيات الجانب الأوكراني، مشيرة إلى أن “سلوك كييف وحلفائها الأوروبيين لا يمكن التنبؤ به”.
المفاوضات الجارية تأتي في ظل ضغط ميداني متواصل على عدة جبهات في شرق وجنوب أوكرانيا، وهو ما قد يضعف فرص إحراز تقدم فعلي في هذه الجولة، ويؤجل بالتالي أي آمال بوقف دائم لإطلاق النار أو الدخول في مرحلة سياسية جديدة.
الرهانات المتبادلة
الواضح أن ترامب يسعى من خلال دعوته المتكررة للقاء بوتين إلى إعادة ترميم صورته السياسية على الساحة الدولية، واستباق أي تحركات للبيت الأبيض قد تعزز من حضور الرئيس جو بايدن في ملفات السياسة الخارجية. في المقابل، تتعامل موسكو مع فكرة القمة من زاوية استراتيجية، وتضع شروطًا تتعلق بتحقيق اختراق سياسي لا بمجرد تسجيل نقاط إعلامية.
وفيما يترقب العالم مصير الجولة التفاوضية في إسطنبول، يبقى الحديث عن قمة بوتين – ترامب معلقًا بين استعجال واشنطن وتحفّظ موسكو، وسط تصعيد متواصل في أوكرانيا ومأزق دبلوماسي يراوح مكانه منذ أكثر من عامين.