تعيش غزة، فصولاً جديدة من التصعيد العسكري الإسرائيلي الذي لا يبدو أنه يهدأ، بل يزداد شراسة واتساعاً، في وقت تواصل فيه الغارات الجوية والقصف المدفعي استهداف مناطق متفرقة من القطاع، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا والجرحى، معظمهم من المدنيين، وسط مشاهد من الدمار والذعر الشديد بين السكان.
استهداف المستشفيات
بحسب وسائل إعلام فلسطينية، فقد استشهد ما لا يقل عن 19 شخصاً في سلسلة غارات إسرائيلية متفرقة استهدفت مناطق عدة في قطاع غزة. من بين هذه الضربات، كانت أكثرها دموية تلك التي استهدفت مدينة خان يونس جنوب القطاع، حيث قُتل ستة أشخاص وأُصيب عدد غير محدد في قصف عنيف طال مناطق سكنية، وفق ما أفادت به قناة “الأقصى” الفلسطينية.
مدير المستشفيات في قطاع غزة، الدكتور محمد زقوت، أكد أن القصف الذي طال خان يونس كان عنيفاً ومكثفاً إلى درجة دفعت الطواقم الطبية في مجمع ناصر الطبي إلى التحصن داخل المستشفى خشية اقتحامه من قبل القوات الإسرائيلية. كما أشار إلى حالة من الذعر الشديد تسود المجمع، خاصة بعد استهداف محيطه بشكل مباشر.
تغيير الخريطة الجغرافية
وفي شمال القطاع، وتحديداً في جباليا، أفادت التقارير باستشهاد خمسة أشخاص نتيجة قصف طال منطقة سوق الفالوجا المكتظة بالسكان، ما يعكس نمطاً متكرراً في استهداف التجمعات المدنية، الأمر الذي يزيد من عدد الضحايا ويعمق الأزمة الإنسانية.
التحركات العسكرية الإسرائيلية تشير إلى نية واضحة لتغيير الخريطة الجغرافية والسياسية لغزة. فقد كشفت التطورات الميدانية عن خطة محتملة لتقسيم القطاع، من خلال إنشاء منطقة عازلة واسعة تمتد على طول الحدود الشرقية والشمالية والجنوبية. وقد بدأت القوات الإسرائيلية فعلياً بتنفيذ هذه الخطة عبر السيطرة على ما يُعرف بـ”محور موراغ”، الذي يفصل رفح عن خان يونس، وتخطط على ما يبدو لفصل خان يونس عن وسط القطاع أيضاً، وذلك من خلال توغل بري تدريجي في بلدة القرارة.
كارثة إنسانية متفاقمة
من جهة أخرى، فإن التوغل البري في المناطق الجنوبية يتزامن مع قصف مكثف على مناطق أخرى في غزة، مما يشير إلى أن الهدف ليس فقط تحقيق مكاسب عسكرية، بل أيضاً فرض واقع ميداني جديد على الأرض يُسهّل عملية الفصل الجغرافي، وربما السياسي، مستقبلاً.
ما يجري في غزة ليس فقط معركة عسكرية، بل أيضاً كارثة إنسانية متفاقمة، حيث تزداد معاناة المدنيين يوماً بعد يوم. المستشفيات تعمل فوق طاقتها، والكوادر الطبية تُجبر على العمل في ظروف شبه مستحيلة، في ظل نقص حاد في المعدات والأدوية وانعدام الأمان. وبينما تتحدث إسرائيل عن أهداف عسكرية، فإن الواقع الميداني يكشف عن ثمن باهظ يدفعه المدنيون، نساءً وأطفالاً وشيوخاً، في واحدة من أشد جولات العنف تدميراً في القطاع منذ سنوات.