في زيارة محورية في توقيت حساس، وصل وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى العاصمة الإيرانية طهران في زيارة رسمية تهدف إلى تقديم إيجاز موسع للقيادة الإيرانية حول نتائج ومخرجات “مؤتمر قمة بغداد”، الذي انعقد مؤخراً بمشاركة قادة ومسؤولين من عدة دول إقليمية ودولية. وكان في استقباله وكيل وزير الخارجية الإيراني لشؤون الشرق الأوسط والخليج محمد علي بيك، وسفير العراق في طهران نصير عبد المحسن عبد الله.
تنسيق إقليمي وتبادل رؤى
بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية العراقية، تهدف زيارة الوزير حسين إلى إجراء مباحثات معمقة مع كبار المسؤولين الإيرانيين حول العلاقات الثنائية، إضافة إلى تبادل الرؤى بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. ومن المقرر أن يشارك الوزير في جلسات المنتدى الإقليمي الذي يعقد في طهران بحضور وزراء ومسؤولين ومراكز أبحاث من مختلف دول المنطقة، لمناقشة سبل تعزيز الأمن والتعاون في الشرق الأوسط.
مؤتمر قمة بغداد: عرض محايد أم وساطة عراقية؟
يُعدّ “مؤتمر قمة بغداد” أحد أبرز المبادرات الإقليمية التي سعت بغداد من خلالها إلى لعب دور وسيط بين الفرقاء الإقليميين، خصوصاً بين إيران ودول الخليج العربي. ويبدو أن زيارة الوزير حسين لطهران تأتي في هذا السياق، حيث يُنتظر أن يقدم للقيادة الإيرانية خلاصة لمجريات القمة، والمواقف التي خرجت بها، وكذلك تفسيرات العراق لبعض النقاط الخلافية أو التوافقية التي طُرحت في المؤتمر.
إيران: شريك لا يمكن تجاهله
تُعد إيران واحدة من أبرز الفاعلين في الشأن العراقي، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني. إذ ترتبط بغداد وطهران بعلاقات متعددة المستويات تشمل التعاون الأمني والعسكري: ضمن إطار محاربة تنظيم داعش، والتنسيق الاستخباراتي بين البلدين، وكذلك تعزيز العلاقات الاقتصادية، حيث تُعد إيران من أهم الشركاء التجاريين للعراق، وتشمل التبادلات قطاعات الطاقة، الغذاء، والمواد الإنشائية.
كما تشمل الربط الديني والمذهبي، فمع وجود ملايين الزوار الإيرانيين إلى العتبات المقدسة في العراق، إضافة إلى التأثير الثقافي والديني المتبادل، فضلا عن النفوذ السياسي، حيث تلعب إيران دوراً في دعم بعض التيارات السياسية داخل العراق، مما يجعل التنسيق معها ضرورة لكل حكومة عراقية.
الرسائل الضمنية
تحمل زيارة فؤاد حسين إلى طهران أكثر من دلالة، فهي من جهة تأتي في إطار مجاملة دبلوماسية لا بد منها بعد أي قمة إقليمية، ومن جهة أخرى تعكس الحاجة العراقية للحفاظ على خط اتصال مفتوح ومستقر مع طهران، خصوصاً في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة من توترات أمنية، واستقطابات سياسية بين محورين رئيسيين: طهران وحلفائها، والرياض وأصدقائها الإقليميين والدوليين.
وتؤكد هذه الزيارة من جديد على النهج الذي تتبناه بغداد في سياستها الخارجية، والذي يسعى إلى تحقيق التوازن وعدم الانحياز لصالح طرف دون آخرى، ليبقى نجاح هذا التوازن مرهوناً بقدرة العراق على إدارة علاقاته الثنائية المعقدة، وتحويلها من مساحات نفوذ خارجي إلى منصات شراكة واستقرار تخدم مصالحه الوطنية أولاً.