استقبلت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أول دفعة من “الأفريكانرز” القادمين من جنوب أفريقيا، في وقت تواصل فيه تشديد القيود على دخول لاجئين من دول تمزقها الحروب والمجاعات، خاصة من الشرق الأوسط وأفريقيا.
وضمت الدفعة الأولى 59 شخصًا من البيض الجنوب أفريقيين، الذين وصلوا الأراضي الأمريكية بعد أقل من ثلاثة أشهر على تقديم طلبات لجوئهم، ما يُعد إجراءً استثنائيًا مقارنة بمسار اللجوء الطبيعي الذي قد يستغرق سنوات حتى يُبت في الملفات، هذا إذا لم تُرفض الطلبات من الأساس لأسباب سياسية أو أمنية أو لوجستية.
القرار جاء بعد أن أمر ترامب إدارته في فبراير/شباط بوضع خطة لإعادة توطين ما وصفه بـ”الأقلية المضطهدة من المزارعين البيض في جنوب أفريقيا”، متذرعًا بتقارير تحدثت عن اعتداءات على مزارعين من العرق الأبيض، رغم تشكيك العديد من المنظمات الحقوقية والمراقبين في دقة تلك المزاعم أو حجمها.
تمييز في السياسات
اللافت في هذا التطور أن الإدارة الأمريكية، التي شددت الخناق على اللاجئين القادمين من سوريا واليمن والصومال والسودان وأفغانستان، لم تُخفِ تحيزها العلني في التعامل مع هذه الفئة من الجنوب أفريقيين. بل ذهبت إلى حد تسريع الإجراءات الإدارية التي عادة ما تعيق آلاف الأسر الفقيرة الفارّة من النزاعات والفقر المدقع.
وبينما تنتظر آلاف العائلات من مناطق النزاع في العالم مراجعة طلباتها تحت سياسات صارمة تشمل “حظر السفر” ومراجعات أمنية معمقة، حظي “الأفريكانرز” بمعاملة خاصة، استندت – بحسب مراقبين – إلى أسباب تتعلق بالهوية العرقية، والخلفية الدينية، وربما التوجهات السياسية المتقاربة.
وقالت مصادر داخل وزارة الأمن الداخلي الأمريكية إن هذه المجموعة وصلت بتنسيق مباشر مع البيت الأبيض، وبدعم من جماعات ضغط مسيحية محافظة ترى في الأفريكانرز “مجتمعًا أبيضًا مسيحيًا منسجمًا مع قيم أمريكا”، في إشارة غير مباشرة إلى تبرير تفضيلهم على لاجئين من أعراق وديانات أخرى.
توتر دبلوماسي مع بريتوريا
لم تمر هذه السياسة دون تداعيات دبلوماسية، فقد ردت حكومة جنوب أفريقيا بغضب على تصريحات ترامب بشأن أوضاع المزارعين البيض، ووصفتها بأنها “تحريف للحقائق” و”تدخل سافر في الشؤون الداخلية”. وقد دفعت هذه التصريحات البلدين إلى تبادل الانتقادات العلنية، ما أسهم في توتر العلاقات الثنائية في الأشهر الأخيرة من عهد ترامب.
وقد اتهمت بريتوريا واشنطن بتسييس ملف اللجوء وتحويله إلى أداة في خدمة أجندات يمينية وعنصرية، وهو ما زاد من الحرج داخل مؤسسات أمريكية عريقة، تحاول الحفاظ على صورة الولايات المتحدة كملجأ للمضطهدين حول العالم.
بين التمييز والواقعية السياسية
الخطوة الأمريكية أعادت إلى الواجهة النقاش حول معايير اللجوء والازدواجية في تطبيق القيم التي طالما تغنت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة. وفيما يرى مدافعو ترامب أن ما جرى هو “تصحيح لوضع إنساني مغفَل”، يعتبر منتقدوه أن هذه الخطوة تعمّق من النهج الانتقائي في استضافة اللاجئين، وتكرس التمييز العنصري في التعامل مع ضحايا الأزمات الإنسانية.
وفي ظل صمت الإدارة الأمريكية الجديدة حيال هذه القضية، يبقى التساؤل مطروحًا: هل اللجوء في أمريكا حق إنساني أم امتياز نخبوي قائم على العِرق والانتماء؟