في تطور غير متوقع يقلب موازين المشهد السياسي البريطاني، تصدّر حزب “الإصلاح” اليميني الشعبوي، بقيادة نايجل فاراج، استطلاعًا جديدًا للرأي، متقدمًا على حزب “العمال” الحاكم و”المحافظين”، مما أثار حالة من القلق في أوساط الحكومة والمعارضة على حد سواء.
الاستطلاع، الذي أجرته مؤسسة “يوغوف” لصالح شبكة “سكاي نيوز” وصحيفة “التايمز”، كشف عن تقدم ملحوظ لحزب “الإصلاح” بنسبة تأييد بلغت 29%، بزيادة سبع نقاط عن آخر استطلاع، وهو ما يعكس تصاعد الدعم الشعبي لفاراج في وقت تواجه فيه الأحزاب التقليدية موجة من التراجع والثقة المتآكلة.
وبحسب نتائج الاستطلاع، تراجع حزب “العمال” إلى المرتبة الثانية بنسبة 22%، متأثرًا بما وصفه مراقبون بـ”حالة استنزاف ثقة” بسبب سياساته الداخلية الغامضة وموقفه الحذر تجاه عدد من القضايا الجدلية، لاسيما الهجرة وتكلفة المعيشة.
أما حزب “الديمقراطيين الليبراليين”، فحل ثالثًا بنسبة تأييد بلغت 17%، متجاوزًا حزب “المحافظين” الذي تراجع إلى المركز الرابع بنسبة 16% فقط، ما يُعد ضربة موجعة لزعيمته كيمي بادينوك، ويؤكد عمق الأزمة التي يعيشها الحزب منذ خسارته السلطة.
قلق متزايد داخل حزب العمال
وقد أقر رئيس الوزراء كير ستارمر، خلال جلسة للبرلمان مساء أمس، بأن المنافس الحقيقي لحزبه لم يعد “المحافظين”، بل “الإصلاح”، قائلاً: “المحافظون ليسوا خصمنا الرئيسي… الإصلاحيون هم منافسونا الحقيقيون على السلطة”.
وأضاف ستارمر في خطابه أمام أعضاء حزبه: “تقع على عاتقنا مسؤولية أخلاقية لضمان عدم فوز فاراج أبدًا”، وهو تصريح يُفهم منه مدى التهديد الذي بات يمثله “الإصلاح” في المعركة السياسية المقبلة.
ويعزو محللون هذا التحول الكبير في المزاج الانتخابي إلى خطاب فاراج الشعبوي الذي يتماهى مع مخاوف البريطانيين إزاء الهجرة والهوية القومية وتدهور الاقتصاد، إلى جانب قدرته على توظيف خطاب “استعادة السيطرة” الذي اشتهر به منذ حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
عودة فاراج تخلط الأوراق
عودة نايجل فاراج إلى الواجهة السياسية بصفة رسمية زعيمًا لحزب “الإصلاح” في وقت سابق هذا الشهر، أعادت الزخم إلى الحزب الذي كان يصارع للبقاء في ظل غياب قيادي واضح. وقد نجح فاراج في تأطير نفسه كممثل “للأغلبية الصامتة” التي تعتبر أن النظام السياسي القائم خذلها.
ويقول مراقبون إن الخطاب “الضدّ نخبوي” الذي يتبناه فاراج، ورسائله المباشرة بشأن “استرداد السيطرة” على الحدود والاقتصاد، تجد صدى قويًا لدى الناخبين، خصوصًا في المناطق التي عانت من ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع الخدمات العامة.
مستقبل غامض وانتخابات غير محسومة
في ظل هذا التحول الدراماتيكي، يبدو أن الانتخابات القادمة – المقررة في وقت لاحق من هذا العام – ستكون أكثر تعقيدًا وتشويشًا مما كان متوقعًا، مع تراجع أداء الأحزاب التقليدية وتقدم التيارات الشعبوية.
وتشير التوقعات إلى أن بريطانيا قد تكون على أعتاب خريطة سياسية جديدة، تتقاسم فيها الأحزاب الكبرى السلطة مع قوى صاعدة على رأسها حزب “الإصلاح”، الأمر الذي قد يؤدي إلى برلمان معلق أو حكومة ائتلافية غير مستقرة.
وبينما يستمر الجدل حول قدرة فاراج على تحويل الزخم الشعبي إلى مقاعد برلمانية فعلية، يبقى المؤكد أن قواعد اللعبة السياسية في المملكة المتحدة تشهد الآن اهتزازًا غير مسبوق، عنوانه الأبرز: الشعبوية تتقدم، والنخبة السياسية تتراجع.