في تطور قضائي لافت يُجسد حجم التوتر بين المؤسستين التنفيذية والقضائية في إسرائيل، أقرّت المحكمة العليا، اليوم الأربعاء، بعدم قانونية قرار حكومة بنيامين نتنياهو بإقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، رونين بار، مؤكدةً أن القرار شابه تضارب مصالح صارخ وانتهاكات للإجراءات القانونية.
قرار خارج الأطر القانونية: غياب الاستشارة وتجاوز صلاحيات
أوضحت المحكمة أن قرار الإقالة تم دون الرجوع إلى اللجنة الاستشارية المختصة بتعيين كبار المسؤولين، في مخالفة واضحة لما ينص عليه القانون الإسرائيلي. كما اعتبرت أن مشاركة نتنياهو في اتخاذ القرار تمّت رغم كونه في حالة تضارب مصالح، في ظل استمرار تحقيقات جنائية بحق مقربين منه.
المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، دعمت قرار المحكمة، وأوصت بأن يمتنع نتنياهو مؤقتاً عن التدخل في أي خطوة تتعلق بتعيين رئيس جديد للجهاز، إلى أن يتم وضع إطار قانوني يضمن الشفافية والاستقلال المؤسسي.
المفارقة: استقالة بار تحفظ ماء وجه الحكومة
قرار المحكمة جاء بعد أن أعلن رونين بار بنفسه نيّته إنهاء مهامه في يونيو 2025، مُعلناً تحمّله المسؤولية عن الثغرات الأمنية التي كشفتها عملية السابع من أكتوبر. وبينما تراجعت الحكومة لاحقاً عن قرار الإقالة، فإن المحكمة شددت على ضرورة إصدار حكم رسمي يُرسّخ استقلالية الشاباك ويمنع تكرار هذا النوع من التدخل السياسي، خاصة في الأجهزة السيادية.
نتنياهو يتحدّى القضاء: “سنعين من نريد”
رد رئيس الحكومة لم يتأخر، إذ هاجم قرار المحكمة واصفاً إياه بـ”الفضيحة التي تهدد أمن الدولة”، وشكك في حيادية المستشارة القضائية، مدعياً وجود علاقة شخصية بينها وبين رئيس الشاباك المستقيل. وأكد، متحديًا قرار المحكمة: “سنعين رئيسًا جديدًا للشاباك رغم كل شيء”.
في المقابل، انضم وزير القضاء ياريف ليفين للهجوم، وصرّح بأن الرد المناسب على ما وصفه بـ”الانفلات القضائي” هو المضي قدمًا في تعيين رئيس جديد للشاباك دون انتظار، ما يكشف عن تصعيد ممنهج ضد المؤسسة القضائية، في وقت تعيش فيه إسرائيل واحدة من أعقد أزماتها الداخلية.
تحليل: مواجهة غير معلنة على السلطة العميقة
قرار المحكمة لا يُعنى فقط بإبطال إجراء إداري، بل يكشف عن صراع هيكلي بين السلطة التنفيذية والجهاز القضائي على من يُمسك بمفاصل الدولة العميقة. إقالة رئيس جهاز أمني بهذا الوزن – دون استيفاء المسار القانوني – ليست مجرد “سوء تقدير” بقدر ما هي محاولة لإخضاع المؤسسات الأمنية لمنطق الولاء السياسي، وهي سابقة خطيرة في دولة طالما تفاخر قادتها باستقلال مؤسساتها.
نتنياهو، الذي يُحاكم بقضايا فساد، يبدو حريصًا على إعادة تشكيل النخبة البيروقراطية – لا سيما في أجهزة الأمن – بما يضمن السيطرة والولاء، حتى لو كان ذلك على حساب المعايير الديمقراطية. وفي المقابل، تسعى المحكمة العليا – بدعم من المستشارة القضائية – إلى ترسيخ مبدأ “الدولة المؤسسية” في مواجهة تغوّل الحكومة.
قرار رونين بار بالاستقالة، وإن جاء تحت غطاء “تحمّل المسؤولية”، قد يكون أيضًا مناورة ذكية لإفشال إقالته سياسيًا وتحويلها إلى استقالة ذاتية تحمي استقلال المنصب وتُربك الحسابات السياسية لنتنياهو.