من زقاق مظلم في قلب غزة، إلى أنفاق تغلي تحت الأرض، إلى عربة يجرّها حمار وسط سوقٍ يعجّ بالناس… هكذا أمضى الجندي الإسرائيلي الأميركي عيدان ألكسندر أكثر من عام ونصف في الأسر، قبل أن يُفرج عنه ضمن صفقة تفاوضية وصفت بـ”الأكثر تعقيدًا” بين “حماس” والولايات المتحدة.
عيدان، الذي أسرته الحركة خلال عملية “طوفان الأقصى”، عاد إلى الحياة المدنية محمّلاً بروايات يصعب تصديقها، تشبه أفلام الهروب ولكنها حقيقية، حدّ أن رائحة التراب ما زالت عالقة في حديثه.
“كنت أراه أمامي”: السنوار حيّ في الأنفاق!
من بين أكثر الروايات إثارة، ما قاله عيدان لعائلته عقب الإفراج عنه:
“كنت محتجزًا على مقربة من يحيى السنوار نفسه”، رئيس المكتب السياسي لحماس، والذي تقول إسرائيل إنها قتلته في غارة على رفح مؤخرًا.
عيدان لم يُدرك حينها أنه قريب من أحد أخطر رجال إسرائيل، لكنه يتذكّر جيدًا “الهدوء المُريب” حوله، والحراسة المشددة التي بدت غير معتادة.
أنفاق تتفجّر من الداخل: “حتى المعلبات لم تحتمل”
في حديثه لقناة “12” العبرية، وصف الجندي المحرَّر ظروفًا أقرب للجحيم.
قال: “الأنفاق في الصيف كانت جحيمًا، الحرارة كانت تجعل المعلّبات تنفجر… لم يكن لدينا طعام، كنا نأكل خبزًا ملوثًا ونشرب مياه البحر.”
ومع انقطاع الكهرباء، كان يترصّد أخبار الحرب من شاشة مهزوزة الإشارة، يُلاحق فيها خيط النجاة، لكنه لا يأتي.
النوم في الشارع والتنقل في هيئة امرأة
تنقل عيدان بين أكثر من 30 موقعًا مختلفًا، كما روى، بعضها كان داخل شقق، وبعضها الآخر داخل مساجد، لكن ما لن ينساه هو تلك الليلة التي نام فيها في زقاق ضيّق بأحد أحياء غزة، “دون أن يلاحظنا أحد”، على حد وصفه.
وفي مشهد يكاد لا يُصدَّق، قال: “مرة نُقلتُ داخل عربة يجرّها حمار، وسط سوق مزدحم، كنت ملثّمًا، وعنصر حماس كان متنكرًا كأنه امرأة، يجلس بجانبي وكأنه أحد أقاربي… لو انتبه أحد، لقتلونا على الفور”.
القصف الأخير.. وموعد النجاة
قبل أسبوعين من الإفراج عنه، عاش عيدان لحظة وصفها بـ”الأقرب إلى الموت”، حين قصفت الطائرات الإسرائيلية نفقًا كان بداخله، لكنه نجا بأعجوبة.
قال بصوت خافت: “أدركت حينها أنني إما سأخرج حرًا… أو لن أخرج أبدًا”.
آخر الأميركيين على قيد الحياة
كان عيدان أحد أبرز الوجوه في قائمة الأسرى الذين تطالب بهم الولايات المتحدة، خصوصًا بعد إعلان واشنطن رسميًا خوضها مفاوضات غير مباشرة مع “حماس” عبر وسطاء.
وقد تم إطلاق سراحه ضمن صفقة معقّدة، بعد أن خدم في لواء “جولاني”، الذي مُني بخسائر فادحة خلال عملية 7 أكتوبر، حيث أُسر عيدان أثناء مشاركته في دورية حدودية قرب غزة.
تحليل: رواية الأسر كحرب إعلامية
رواية عيدان، رغم ما تحمله من عناصر إنسانية وتشويقية، ليست مجرد سرد شخصي، بل جزء من معركة إعلامية واضحة تخوضها إسرائيل في حرب الروايات مع “حماس”.
التركيز على ظروف الأسر، وذكر السنوار، وشرب مياه البحر، كلها تُشكّل رسائل سياسية مركبة موجهة للداخل الإسرائيلي أولاً، لتبرير الحرب المستمرة، وللرأي العام الأميركي ثانيًا، لتأكيد فاعلية التدخل الأميركي في إنقاذ مواطنيه.
كما أن التضخيم الدرامي لبعض التفاصيل – مثل العربة التي يجرها حمار، أو التنقل بزي النساء – يُعزز الجانب القصصي المثير للرأي العام، لكنه لا يخلو من بُعدٍ دعائي.
ورغم ذلك، فإن شهادات الأسرى تكشف شيئًا مهمًا: أن “حماس” نجحت في نقلهم من مكان إلى آخر تحت أنظار الطائرات والمسيرات والجيش والمخابرات، وهو أمر يطرح تساؤلات موجعة عن قدرات إسرائيل الاستخبارية داخل غزة.