تحمل واقعة مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن دلالات سياسية عميقة ومعقّدة على أكثر من صعيد، ويمثل نقطة حرجة في العلاقات الأميركية–الإسرائيلية، كما يلقي الضوء على التوترات المتزايدة المحيطة بالملف الفلسطيني–الإسرائيلي في السياق الدولي، خصوصاً في ظل تنامي التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية مؤخرًا، لا سيما في الأوساط الشعبية والطلابية والحقوقية في الولايات المتحدة وأوروبا.
ضربة رمزية قوية،
استهداف موظفين دبلوماسيين إسرائيليين على الأراضي الأميركية، وبالقرب من فعالية رسمية نظّمتها اللجنة الأميركية اليهودية، يشكّل ضربة رمزية قوية، ليس فقط لإسرائيل بل أيضًا للدبلوماسية الأميركية التي تسعى للحفاظ على أمن بعثات الدول الحليفة، وعلى رأسها إسرائيل. هذا النوع من العمليات يُعتبر تصعيدًا نوعيًا، يضع أجهزة الأمن الأميركية تحت ضغط كبير ويحرج واشنطن أمام حليفها الوثيق، ويطرح تساؤلات حول مدى السيطرة الأمنية، خاصة في قلب العاصمة واشنطن وفي مناطق محاطة بمؤسسات أمنية حساسة مثل FBI ومكتب المدعي العام.
الرسالة السياسية من الهجوم واضحة جدًا: القاتل ارتدى الكوفية وهتف “الحرية لفلسطين”، ما يُشير إلى أن الجريمة لم تكن شخصية أو عشوائية، بل كانت ذات طابع سياسي محض، تهدف إلى إيصال موقف واضح من السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. هذا يعيد للأذهان مسارًا طويلًا من التوترات التي امتدت منذ عقود، والتي باتت تأخذ أشكالًا جديدة من المقاومة الرمزية أو العنيفة خارج حدود الشرق الأوسط، في مشهد يعكس عولمة الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.
مسؤولية مباشرة أخلاقية وسياسية
التحرك الأميركي السريع من قبل الجهات الأمنية، خصوصًا فرقة مكافحة الإرهاب التابعة لـFBI، والرد العلني من مسؤولي الأمن الأميركيين، يُظهر أهمية الحادث في نظر واشنطن. لكن الأهم سياسيًا هو الموقف الإسرائيلي، حيث وصفه داني دانون، مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، بـ”العمل الإرهابي المعادي للسامية”، وهو توصيف يُحمِّل الولايات المتحدة مسؤولية مباشرة أخلاقية وسياسية في حماية المصالح الإسرائيلية ومواطنيها في الداخل الأميركي.
الحادثة قد تُستغل سياسيًا من قبل الحكومة الإسرائيلية لتصعيد خطابها أمام المجتمع الدولي، في وقت تواجه فيه إسرائيل انتقادات شديدة بسبب عملياتها العسكرية في غزة، وموجة الإدانات الواسعة من الجامعات الغربية والنخب الثقافية والحقوقية. مثل هذا الحدث يُمكن أن يُستخدم لإعادة تسليط الضوء على “التهديدات الوجودية” التي تقول إسرائيل إنها تواجهها حتى خارج حدودها، ما قد يُوظَّف لتبرير مزيد من التشدد الأمني والسياسي.
احتقان المشهد الدولي
على المستوى الدولي، الواقعة قد تُسرّع في انزلاق الحوار العالمي حول إسرائيل إلى ثنائية “المُستهدِفة والمستهدَفة”، ما قد يُعقّد من قدرة أطراف محايدة على الدعوة لتهدئة أو وساطات. فبينما ينظر البعض إلى إسرائيل كقوة محتلة، ستسعى الحكومة الإسرائيلية من خلال هذا الحادث إلى تكريس صورة “الضحية المهددة من الكراهية العالمية”، خصوصًا في خطابها أمام الأمم المتحدة والمنابر الغربية.
بهذه الحادثة، وإن كانت محدودة من حيث الحجم، فإنها غنية بالدلالات السياسية التي ترجح ازدياد الاحتقان في المشهد الدولي المرتبط بإسرائيل، وتذكر بأن الصراع لم يعد محصورًا بالجغرافيا، بل أصبح معركة رموز ورسائل تمتد إلى قلب العواصم العالمية.