تحولت محافظة إب اليمنية، التي كانت تُعرف بكونها مدينة خضراء وهادئة، إلى واحدة من أكثر المحافظات التي تعاني من فوضى أمنية مقلقة تحت سيطرة جماعة الحوثي، الانفلات الأمني، تهريب السجناء، وعمليات تصفية تطال منتقدي الفساد، وهو ما جعل من المدينة مسرحاً للفوضى والقلق، حيث تُكمم الأفواه ويُكافأ المجرمون.
جريمة هزت القلوب
فجر الإثنين الماضي، عُثر على جثة المواطن فكري الجراني، ملقاة خلف جامع عائشة وسط مدينة إب، وعليها آثار طعنات متفرقة، وأثارت هذه الجريمة ذهولاً واسعاً، خاصة أن الضحية سبق أن أعلن عبر وسائل التواصل الاجتماعي تلقيه تهديدات بسبب فضحه لوقائع فساد واعتداءات على ممتلكات عامة.
رغم بشاعة الجريمة، التزمت الأجهزة الأمنية التابعة لجماعة الحوثي الصمت، ما أثار غضب السكان ودفعهم لاتهام الجماعة بشكل مباشر بالضلوع في اغتياله، أو على الأقل التواطؤ مع منفذي الجريمة
انفلات أمني غير مسبوق
مصادر محلية كشفت عن عمليات تهريب سجناء متهمين بجرائم خطيرة من داخل السجون، مقابل رشى تصل إلى آلاف الدولارات، وأحد هؤلاء المتهمين هرب مؤخرًا من قسم شرطة “ميتَم”، بعد دفع 5600 دولار، وهو ما يعادل 3 ملايين ريال يمني، لتبقى المدينة تحت رحمة الخارجين عن القانون.
وشهدت المحافظة في السنوات الأخيرة حالات هروب متعددة لمجرمين، بعضها انتهى بارتكاب جرائم جديدة، فيما بقي آخرون طلقاء دون محاسبة، في وقت يتحدث فيه الأهالي عن شبكة فساد عميقة تُدير السجون وتحمي المجرمين.
ترهيب بدلاً من القانون
الخطير في مشهد إب ليس فقط تصاعد الجرائم، بل استهداف من يتحدث عنها، حيث رُصدت مداهمات منازل واعتقالات لناشطين ومدنيين تحدثوا عن قضايا فساد، سواء على وسائل التواصل أو في تجمعات عامة. الأهالي باتوا يخشون الحديث حتى في الأسواق أو الحافلات.
الناشطون الحقوقيون يؤكدون أن الحوثيين يسعون لنشر الفوضى المتعمدة لترهيب السكان وتثبيت حكمهم، حتى على حساب الأمن والاستقرار.
حرب الحوثيين مع إسرائيل
تربط مصادر سياسية وخبراء الانفلات الأمني في إب بمساعي الحوثيين لتحويل الداخل إلى ساحة صراع بديلة، في ظل انشغالهم بحربهم الإقليمية مع إسرائيل والتصعيد في البحر الأحمر. يرون أن إب تدفع ثمن صراعات خارجية، حيث يترك الحوثيون ظهرهم مكشوفًا أمام الداخل، أو يوظفونه لإسكات أي معارضة.
وقد تزامن الانفجار الأمني الأخير مع غارات أميركية استهدفت مواقع حوثية في إب خلال أبريل الماضي، ما أدى إلى توتر كبير وانفجارات ليليّة أرعبت السكان، وأكدت هشاشة الوضع الأمني.
تأثير الفوضى على الاقتصاد
وتسببت الفوضى الأمنية في شلل شبه تام للحركة الاقتصادية في إب، فالتجار يخشون عمليات ابتزاز أو سرقة، والأهالي توقفوا عن الاستثمار أو شراء الممتلكات، والمدارس والمراكز الصحية تشهد تراجعًا حادًا في الخدمات، في ظل انشغال السلطات الحوثية بترسيخ نفوذها وليس حماية المدنيين.
ويرى خبراء يمنيون أن إب تعكس مستقبل اليمن كله في حال استمرار الجماعة الحوثية في الحكم بلا رقابة أو ردع، ويقول المحلل السياسي عبد الكريم السقاف: “اليمن لن يستقر إلا بإعادة بناء مؤسسات الأمن والعدالة، وهذا لن يحدث ما دامت السجون تُدار بالمال والفساد”.
ويضيف: “أي عملية سلام لا تعالج ملف الفساد والانفلات الأمني داخليًا، لن تنجح، لأن الجبهة الداخلية هي أساس قوة أي سلطة”.