في تصعيد جديد يهدد بتوسيع رقعة الحرب المشتعلة بين إسرائيل وحزب الله، شنت الطائرات الإسرائيلية صباح الأربعاء 21 مايو 2025، سلسلة من الغارات على بلدات في جنوب لبنان، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، بينهم مدنيون، بينما أعلنت تل أبيب اغتيال أحد قيادات “وحدة الرضوان” التابعة لحزب الله في بلدة ياطر.
تأتي الضربات وسط تساؤلات متزايدة حول فرص التهدئة، وردود الفعل المتبادلة التي تجعل الجنوب اللبناني على شفا انفجار شامل.
اغتيال على الطريق: قائد “الرضوان” هدف مُعلن
في بيان رسمي، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مسؤوليته عن استهداف “قائد في وحدة الرضوان”، الوحدة النخبوية في حزب الله، عبر غارة بطائرة مسيّرة على بلدة ياطر جنوبي لبنان.
وبحسب البيان، فإن القائد كان ضالعاً في “تنفيذ هجمات على إسرائيل والتخطيط لعمليات مستقبلية”.
ورغم تحفظ حزب الله على الكشف عن هوية القيادي المستهدف، فإن مصادر إعلامية لبنانية رجحت أن يكون من الصف الثاني في الهيكل القيادي للوحدة، ما يشير إلى تطور نوعي في بنك الأهداف الإسرائيلي.
ضحايا مدنيون في عين العاصفة
لم يكن القيادي المستهدف هو الوحيد في مرمى الغارات. فقد أفادت وزارة الصحة اللبنانية بسقوط 3 قتلى وإصابة آخرين في غارات طالت بلدات عين بعال، يـاطر وعيترون.
إحدى الغارات استهدفت دراجة نارية في بلدة عيترون، ما أدى إلى اندلاع النيران، في مشهد صادم وثقته عدسات السكان ونُشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
وشهد طريق “الحوش-عين بعال” قرب صور، غارة أخرى صباح الأربعاء، راح ضحيتها مواطن لبناني، في وقت كانت المنطقة تشهد حركة مدنية طبيعية.
طبيعة الحرب: بين الردع والتصعيد المُنضبط
الاشتباك المتواصل منذ شهور بين إسرائيل وحزب الله يُوصف بـ”الحرب المنضبطة” – حيث تُحاول الأطراف التحكم في سقف التصعيد وتجنّب الانزلاق إلى حرب شاملة، رغم الكثافة النارية والضحايا المتزايدين.
حزب الله يواصل تنفيذ عمليات قصف واستهداف لمواقع إسرائيلية على طول الحدود، بينما تعتمد إسرائيل بشكل رئيسي على المسيّرات والضربات الجوية الموجهة، مع التركيز على استهداف شخصيات قيادية.
ويرى الخبير العسكري اللبناني العميد المتقاعد نزار عبد القادر، أن “الردود المتبادلة محكومة بتوازن الردع”، ويضيف: “كلا الطرفين لا يريد حرباً شاملة، لكن هامش الخطأ صغير جداً، وأي ضربة غير محسوبة قد تؤدي لانفجار واسع”.
إسرائيل تصعّد.. ولكن بحذر؟
إسرائيل، التي تُواجه ضغوطاً داخلية وخارجية بسبب استمرار الحرب في غزة والتصعيد في الجبهة الشمالية، تسعى للظهور بمظهر الطرف المسيطر، دون الانزلاق إلى معركة مفتوحة.
الغارات الأخيرة تعبّر عن استراتيجية “قطع الرأس”، أي استهداف القادة الميدانيين لشلّ قدرات حزب الله وتوجيه رسائل ردع قوية.
لكن المحلل السياسي الإسرائيلي يوآف ليمور يرى في مقاله بصحيفة “إسرائيل هيوم” أن “الردع يتآكل، وحزب الله بات أكثر جرأة، والتصعيد لم يعد مستبعداً مع توالي الضربات النوعية من الطرفين”.
هل من أفق للتهدئة؟
في ظل التصعيد الحالي، تبدو فرص التهدئة بعيدة. فلا وساطات جادة تُعلن، ولا إشارات من الطرفين عن نية لوقف النار.
لبنان الرسمي يواصل الصمت، بينما تعاني المناطق الجنوبية من نزوح وتصاعد في القلق الشعبي. الأمم المتحدة دعت مراراً إلى وقف التصعيد، إلا أن بياناتها تُقابل بالتجاهل على الأرض.
يرى المحلل في شؤون الشرق الأوسط، الدكتور طلال عتريسي، أن “التهدئة مشروطة بتسوية شاملة للملف الفلسطيني أولاً، لأن كل الجبهات ترتبط ببعضها، وما يحصل في الجنوب جزء من ردود على غزة”.
إلى أين يتجه الجنوب؟
الوضع في الجنوب اللبناني يقف على حافة التحول من مناوشات يومية إلى حرب واسعة النطاق. فاغتيال قادة بحزب الله، وسقوط مدنيين، وغياب الأفق السياسي، عوامل تجعل احتمال الانفجار الكبير أكثر ترجيحاً.
وفي ظل انعدام خطوط التهدئة، وتنامي الاحتقان، يبقى الجنوب رهينة لصراع أوسع تُرسم حدوده في غرف القرار في طهران وتل أبيب، أكثر مما تُحددها حدود لبنان الجغرافية.