في خطوة مفاجئة، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خوض الانتخابات النيابية المقبلة المقررة في نوفمبر 2025 تحت مظلة تحالف انتخابي جديد وصف بأنه الأكبر في تاريخ العراق الحديث. الإعلان، الذي جاء من قلب العاصمة بغداد، قلب التوقعات، وفتح الباب أمام تحليلات معمقة حول مستقبل السلطة، وموازين القوى، وفرص الاستقرار السياسي في البلاد.
ولادة كتلة انتخابية ثقيلة
التحالف الذي أطلق عليه اسم “ائتلاف الإعمار والتنمية”، يضم قوى وتيارات وطنية متعددة، أبرزها تيار الفراتين (الذي يتزعمه السوداني)، وتحالف العقد الوطني، وائتلاف الوطنية، وتحالف إبداع كربلاء، وتجمع بلاد سومر، وتجمع أجيال، وتحالف حلول الوطني.
ويُفهم من هذا التكتل أنه يسعى لتجاوز الانقسامات التقليدية الطائفية والمناطقية، والظهور كخيار “وطني جامع”، بحسب ما جاء في البيان الرسمي.
الأهداف المعلنة
البيان الصادر عن مكتب رئيس الوزراء لم يكتف بالإعلان، بل أرفقه برسائل سياسية مهمة، أبرزها التركيز على مشروع الإعمار والتنمية المستدامة، وبناء مؤسسات قوية ومحاربة الفساد، وتعزيز السيادة الوطنية، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتقديم نموذج حكم يعتمد الكفاءة والخبرة لا الولاء السياسي.
ويرى محللون أن السوداني يحاول بهذه الخطوة نقل مشروعه من إدارة الدولة إلى قيادة تحالف سياسي يمثل “امتداداً تنفيذياً” لفكره البراغماتي والمعتدل.
رأي الشارع العراقي
في بغداد والنجف والبصرة، تراوحت ردود فعل المواطنين بين التفاؤل والشك.
علي مهدي، موظف حكومي في بغداد، قال: “السوداني أثبت قدرة على ضبط الأداء الحكومي، لكن لا نريد تحالفات ضخمة تخفي المحاصصة مجدداً”.
في المقابل، أبدت أم حسين، ناشطة من الناصرية، تخوفها من عودة “الوجوه القديمة تحت مسميات جديدة”، معتبرة أن الشعب العراقي “ملّ التجارب والشعارات”.
لكن مراقبين يؤكدون أن وجود رئيس وزراء في السلطة يقود حملة انتخابية بهذه القوة، يمنحه أفضلية كبيرة، ويجعل تحالفه منافساً صعباً في صناديق الاقتراع.
هل يعود الدعم من النجف؟
الأنباء عن احتمال دعم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لمحمد شياع السوداني في ولاية ثانية، كانت مفاجأة ثانية لا تقل وزناً.
فالعلاقة بين الطرفين مرت بمراحل توتر وتحفّظ، لكن يبدو أن الصدر، الذي لم يحسم مشاركته في الانتخابات المقبلة، قد يجد في السوداني “أفضل الخيارات الواقعية”، خصوصاً بعد الأداء المتوازن لرئيس الوزراء في ملفات الأمن والخدمات.
بهاء الأعرجي، نائب رئيس الوزراء الأسبق، لمح إلى “احتمال كبير” لدعم الصدر، وهو تصريح يحمل أبعاداً سياسية عميقة، قد تفتح صفحة تحالف جديدة بين التيار الصدري والدولة الرسمية.
قراءة لمعادلات القوة الجديدة
يرى الخبير السياسي إحسان الشمري أن تحالف السوداني “ليس فقط انتخابياً، بل محاولة لتأسيس قوى مركزية تواجه التفكك الحزبي الطائفي”.
ويضيف: “إذا تمكن من حشد تأييد التيار الصدري ولو ضمنياً، فإن فرص فوزه سترتفع بدرجة كبيرة، وقد يتحول إلى مرشح توافقي حتى في حال برلمان منقسم”.
في المقابل، يحذر المحلل هاشم الهاشمي من أن “قوة التحالف لا تضمن ولاء داخلي متماسك، وقد يواجه تحديات في حال ظهور خلافات داخل المكونات المشاركة”
مستقبل العراق بعد هذا التحول
بصورة عامة، يقرأ كثيرون هذا التطور على أنه محاولة لترسيخ “الشرعية الانتخابية للحكومة”، وتقليص تأثير الميليشيات والفوضى السياسية، خاصة إذا حظي السوداني بدعم داخلي وخارجي أكبر في الولاية المقبلة.
لكن العراق يبقى ساحة معقدة، فيها عوامل اقتصادية هشة، وجماعات مسلحة، واستقطاب دولي، ما يجعل أي توقع للاستقرار مشروطاً بعوامل كثيرة، أهمها نزاهة الانتخابات، وحجم المشاركة الشعبية، وطبيعة التحالفات ما بعد النتائج، وتوازن العلاقة بين بغداد وأربيل، وبغداد وطهران.