رفض حركة حماس نزع سلاحها في لبنان، رغم التصعيد الإسرائيلي المتكرر على الأراضي اللبنانية، يحمل أبعادًا سياسية وأمنية شديدة التعقيد، ويعكس معادلة متشابكة تتداخل فيها اعتبارات المقاومة، السيادة، والمصالح الإقليمية. هذا الموقف لا يمكن فصله عن السياق العام للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لكنه في الوقت نفسه يكشف عن مأزق داخلي لبناني، يتعمّق مع كل تصعيد، ويترك البلاد مكشوفة أمام أخطار لا تتحكم في قرارها.
حماس، في تمسكها بالسلاح داخل الأراضي اللبنانية، تربط قرارها بما تسميه “المعادلة الوطنية للمقاومة”، وضرورة ضمان وجود حماية للفلسطينيين في الشتات، وخصوصًا في المخيمات. من وجهة نظرها، نزع السلاح في ظل غياب حل عادل للقضية الفلسطينية، هو بمثابة خضوع غير مشروط، ويضع اللاجئين في دائرة الضعف والعجز. ولكن من وجهة النظر اللبنانية، وبالذات في الدولة الرسمية، هذا التعنت يحمل ثمناً باهظاً، إذ أصبح لبنان ساحة بديلة لتصفية الحسابات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، في لحظة هي الأخطر على أمنه الداخلي ووحدته الوطنية.
توريط متعمد للبنان
اللافت أن حماس، رغم إدراكها لحساسية الوضع اللبناني – خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، وتآكل سلطة الدولة – تواصل اتخاذ قرارات ذات طابع عسكري من داخل الأراضي اللبنانية، دون الرجوع إلى مؤسسات الدولة أو التنسيق مع الأجهزة الرسمية، ما يُنظر إليه داخليًا على أنه تجاوز للسيادة، وتوريط متعمد للبنان في حرب لا يملك أدواتها. هذا السلوك يعيد إلى الأذهان التجربة المؤلمة التي عاشها لبنان في السبعينيات والثمانينيات عندما تحولت أراضيه إلى ساحة مفتوحة لصراعات إقليمية ودولية.
ورغم الضغط الشعبي والسياسي المتصاعد في لبنان، خاصة من قبل قوى تطالب بحصر السلاح بيد الدولة، ترفض حماس التخلي عن دورها العسكري، معتبرة أن أي تسوية من هذا النوع يجب أن تكون جزءًا من حل شامل للقضية الفلسطينية، يشمل إنهاء الاحتلال وضمان حق العودة. بمعنى آخر، السلاح بالنسبة لحماس ليس مجرد أداة تكتيكية، بل هو رمز سياسي واستراتيجي لا يمكن التنازل عنه بدون ثمن سياسي كبير.
لبنان على خُطى غزة بسبب تعنت حماس
لكن هذه المعادلة تُدخل لبنان في دوامة يصعب الخروج منها، فكل عملية تطلقها حماس من الجنوب، أو يُقال إنها نُفذت من قِبلها، تقابلها إسرائيل بقصف مكثف يستهدف مناطق لبنانية واسعة، ما يضع الشعب اللبناني، لا سيما في الجنوب، في خط المواجهة من دون أن يكون طرفًا في القرار. هذا الواقع يفرض على الدولة اللبنانية تحديًا وجوديًا: هل بإمكانها الاستمرار في التعايش مع قوى مسلحة تتخذ من أرضها منطلقًا لعمليات تقود إلى ردود فعل مدمرة؟ وأين موقع السيادة في معادلة كهذه؟
التعنّت الحمساوي، سواء في لبنان أو غزة، يعكس نمطًا ثابتًا في إدارة الصراع، يقوم على فكرة “الاشتباك المستمر”، ولو على حساب المدنيين. هذا التعنت كان سببًا في دمار هائل في قطاع غزة، وهو اليوم يتكرر في لبنان، البلد الذي لم يخرج بعد من أزماته المركبة، لا سياسياً ولا اقتصادياً.
تغيير قواعد الاشتباك
إن رفض حماس نزع سلاحها في لبنان “إلا بشروط”، هو في الحقيقة رفض لتغيير النهج العسكري ذاته، والإصرار على بقاء لبنان جزءًا من خريطة الاشتباك الإقليمي، دون ضمانات، ودون محاسبة. وهو ما يجعل هذا الموقف في نظر كثيرين أشبه بـ”الرهان على النار”، الذي لا يحرق العدو فقط، بل يحرق الجغرافيا المضيفة أيضًا، في لحظة تُبدي فيها إسرائيل استعدادًا غير مسبوق لتوسيع المواجهة، وتغيير قواعد الاشتباك على أكثر من جبهة.