أثارت تصريحات النائب الجمهوري راندي فاين عاصفة من الاستنكار، بعد دعوته الصريحة إلى “قصف غزة بالأسلحة النووية”، في تعليق على حادث إطلاق النار المميت الذي استهدف اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأميركية واشنطن.
فاين، الذي أدلى بتصريحاته خلال مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز”، وصف القضية الفلسطينية بأنها “قضية شريرة”، معتبرًا أن نهاية الصراع يجب أن تكون عبر “استسلام غير مشروط لمن يدعمون الإرهاب الإسلامي”، في تشبيه صادم لما جرى في الحرب العالمية الثانية عندما قصفت الولايات المتحدة مدينتي هيروشيما وناغازاكي بقنابل نووية.
حادثة المتحف اليهودي: عنف محلّي بتداعيات دولية
جاءت هذه التصريحات النارية بعد ساعات من حادث إطلاق نار استهدف موظفين بالسفارة الإسرائيلية، أثناء خروجهما من فعالية نظمتها اللجنة اليهودية الأميركية داخل المتحف اليهودي في واشنطن. وأكدت الشرطة أن المشتبه به، ويدعى إلياس رودريغيز (31 عامًا) من مدينة شيكاغو، أطلق النار على أول شخصين خرجا من المبنى، دون وجود دليل على أنه كان يستهدف شخصيات محددة.
وقد صاح الجاني بعبارة “فلسطين حرّة” لحظات قبل الهجوم، وهو ما دفع المسؤولين الإسرائيليين، وبعض المسؤولين الأميركيين، إلى وصف الحادث بأنه “معادٍ للسامية” ومؤشر على “تصاعد التحريض ضد إسرائيل”، وسط مناخ سياسي وإعلامي محتدم بشأن الحرب الجارية في قطاع غزة.
النووي مجددًا في قلب النقاش: بين التاريخ والدعاية
تصريحات فاين أثارت سخطًا واسعًا على المستويين السياسي والحقوقي، ليس فقط لأنها تحرض على استخدام سلاح دمار شامل في صراع غير متماثل، بل لأنها تستدعي تجربة نووية مأساوية في التاريخ الحديث كأنها نموذج يُحتذى به.
التشبيه الذي استخدمه فاين بمقارنة غزة باليابان خلال الحرب العالمية الثانية، يتجاهل اختلاف السياقات تمامًا: فبينما كانت اليابان قوة عسكرية إمبراطورية خاضت حربًا عالمية، فإن غزة اليوم منطقة محاصرة يعيش فيها أكثر من مليوني إنسان، أغلبيتهم من المدنيين، يعانون من قصف متواصل وانهيار شبه كامل في البنية التحتية. إضافة إلى أن دعوة كهذه تنتهك صراحة قواعد القانون الدولي التي تحظر استخدام الأسلحة النووية في النزاعات الحديثة.
رسائل السياسة الأميركية: تصعيد خطابي أم انعكاس لمزاج اليمين؟
تصريحات فاين لا يمكن فصلها عن الموجة الشعبوية المتصاعدة داخل التيار الجمهوري، خاصة جناحه اليميني، الذي يرى في الدعم غير المشروط لإسرائيل معيارًا للولاء القومي الأميركي، ويخلط في كثير من الأحيان بين الدعم لإسرائيل وشيطنة الفلسطينيين، بل والعرب والمسلمين عمومًا.
وفي الوقت الذي يحاول فيه بعض المشرّعين الأميركيين الدفع نحو تهدئة أو حتى مجرد وقف إطلاق نار إنساني في غزة، تأتي مثل هذه التصريحات لتعيد تأكيد الانقسام العميق داخل المؤسسة السياسية الأميركية بشأن الحرب، ولتعكس حجم التحريض اللفظي الذي يتجاوز لغة السياسة إلى تهديد وجودي لمجتمع بأكمله.
الخطاب السياسي في أميركا: انزلاق خطير نحو العنف؟
الربط بين حادث إطلاق نار محلي وبين الدعوة لاستخدام السلاح النووي على شعب بأكمله، يكشف عن مشكلة أعمق في الخطاب السياسي الأميركي، حيث بات التطرف اللفظي أداة لكسب التأييد في دوائر انتخابية معينة، على حساب التوازن الأخلاقي أو المعايير الإنسانية.
وفي هذا السياق، يُخشى أن تتحول مثل هذه التصريحات إلى محفزات لمزيد من العنف أو الكراهية، سواء تجاه الجاليات المسلمة والعربية في الولايات المتحدة، أو تجاه الفلسطينيين خارجها، ناهيك عن التأثير على سياسات واشنطن في الشرق الأوسط، والتي باتت بالفعل تحت المجهر الدولي بسبب دعمها غير المشروط لإسرائيل.
خاتمة: ما بعد فاين… إلى أين؟
سواء اعتُبرت تصريحات فاين مجرد تهريج سياسي يميني، أو تعبيرًا صريحًا عن توجه متصاعد داخل قطاعات من النخبة الأميركية، فإنها تطرح أسئلة خطيرة حول مستقبل التعاطي مع الصراع في الشرق الأوسط من منظور إنساني وعقلاني.
وإذا كانت الدعوات إلى الإبادة الجماعية تجد منابرها في الديمقراطية الأميركية دون محاسبة، فإن ذلك لا يسيء فقط إلى صورة واشنطن كحاملة لواء “حقوق الإنسان”، بل يهدد أيضًا بإشعال مزيد من العنف الذي لا تقف حدوده عند غزة أو واشنطن فقط، بل تمتد إلى نسيج العالم المترابط الذي بات أكثر هشاشة من أي وقت مضى.