أصدر قاضٍ فدرالي أمرًا قضائيًا عاجلًا يمنع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب من تنفيذ قرار يقضي بسحب اعتماد جامعة هارفارد ضمن “برنامج الطلاب والزائرين الأكاديميين”، وهو البرنامج الذي يمكّن الجامعات الأميركية من استقطاب آلاف الطلبة الأجانب كل عام.
القرار القضائي جاء استجابة لدعوى قضائية عاجلة رفعتها هارفارد أمام محكمة ماساتشوستس الفيدرالية، متهمة الإدارة السابقة بشن “هجوم سياسي” على استقلالية الجامعات، وموضحة أن تنفيذ القرار كان سيؤدي إلى طرد ما يقارب 7,000 طالب يحملون تأشيرات دراسية، ما يعادل ربع الجسم الطلابي في الجامعة.
اتهام بالانتقام السياسي: التعليم في قلب الصراع الحزبي
جامعة هارفارد، التي تُعرف بمواقفها النقدية الحادة تجاه العديد من سياسات إدارة ترامب، لم تتوانَ عن وصف القرار الرئاسي بأنه “عمل انتقامي غير دستوري”، يستهدف حرية المؤسسات التعليمية في اتخاذ قراراتها الأكاديمية المستقلة. هذا الاتهام يعكس تصعيدًا غير مسبوق في لهجة الخطاب بين الجامعات والبيت الأبيض.
وبينما رأت الإدارة القرار جزءًا من ضبط ملف الهجرة وتنظيم وجود الطلبة الأجانب، تعاملت الجامعات الكبرى مع الخطوة باعتبارها تهديدًا مباشرًا لبنيتها الأكاديمية، و”رسالة سياسية” موجهة لكل مؤسسة تفكر في معارضة توجهات السلطة التنفيذية.
من هارفارد إلى كولومبيا: الجامعات تحت نيران متعددة
ليست هارفارد وحدها من تواجه ضغوطًا من واشنطن. فوفقًا لوكالة “أسوشيتد برس”، تشمل المواجهة أيضًا جامعة كولومبيا، التي وُجهت إليها اتهامات بانتهاك الحقوق المدنية للطلبة اليهود بسبب ما وصفته جهات سياسية بتسامحها مع “خطاب معادٍ للسامية” داخل الحرم الجامعي، في سياق الاحتجاجات المناصرة للقضية الفلسطينية.
هذه القضايا تكشف عن مشهد متوتر تتداخل فيه ملفات حرية التعبير، المواقف السياسية، والرقابة الفدرالية، ما يدفع كثيرين إلى التساؤل عما إذا كانت الحكومة الفدرالية بصدد إعادة رسم العلاقة بين السلطة التنفيذية والمؤسسات الأكاديمية، أو أنها تسعى لتطويع الجامعات بما يخدم أجندات محددة.
معركة قضائية أبعد من تأشيرات: مصير الاستقلال الأكاديمي على المحك
القرار القضائي الأخير لا يحسم المعركة، لكنه يفتح الباب أمام سلسلة من المواجهات القانونية التي قد تعيد تعريف مفهوم الاستقلال الأكاديمي في أميركا. فالأمر لا يتعلق فقط بالطلاب الأجانب، بل بموقع الجامعات ضمن المعادلة السياسية الأميركية، وبحقها في التعبير عن مواقف معارضة دون أن تُعاقب إداريًا أو ماليًا.
المؤسسات التعليمية الأميركية، التي طالما اعتُبرت حصنًا للتفكير الحر والنقد، تجد نفسها الآن أمام اختبار مصيري: هل تستطيع الدفاع عن استقلاليتها في مواجهة السلطة التنفيذية؟ وهل يمكنها حماية بيئتها الأكاديمية من التسييس والإجراءات العقابية؟
التعليم العالي كواجهة جديدة للصراع السياسي
القرار القضائي الذي جُمّد به أمر ترحيل طلاب هارفارد لا يمكن فصله عن السياق الأوسع لسياسات ترامب تجاه الهجرة، والمؤسسات، والنخب الثقافية. إن ما يحدث ليس مجرد جدل حول التأشيرات، بل صراع أعمق حول هوية التعليم الأميركي، وحدود تدخل السلطة في الجامعات، ومستقبل الطلاب الدوليين كجزء من النسيج الأكاديمي والاقتصادي للولايات المتحدة.
في هذا السياق، تبدو الجامعات الأميركية أقرب ما تكون إلى جبهة مقاومة مدنية، ترد على السلطة بأدوات القانون، وتقاوم محاولات التدجين السياسي باسم السيادة الوطنية أو الأمن القومي.