شهدت العاصمة السويدية ستوكهولم، السبت، تظاهرة حاشدة شارك فيها مئات المتظاهرين، طالبوا خلالها حكومة بلادهم بالتحرك الفوري لوقف ما وصفوه بـ”الإبادة الجماعية” التي تمارسها إسرائيل بحق المدنيين في قطاع غزة.
الاحتجاج انطلق من ساحة “أودنبلان” الشهيرة باتجاه مقر وزارة الخارجية، استجابة لدعوات عدد من منظمات المجتمع المدني السويدي والفلسطيني في أوروبا، في وقت يتصاعد فيه الغضب الشعبي حيال ما يعتبره كثيرون “صمتًا حكوميًا مخزيًا” تجاه الجرائم المرتكبة في غزة.
صوت الشارع يعلو: لا لصمت السويد
ردّد المتظاهرون شعارات منددة بالعدوان الإسرائيلي، وحملوا لافتات كتب عليها:
-
“الأطفال يُقتلون في غزة”
-
“المدارس والمستشفيات تحت القصف”
-
“أوقفوا دعم الإبادة”
الهتافات لم تكتف بإدانة إسرائيل، بل كانت موجهة بشكل مباشر نحو الحكومة السويدية، التي اتهمها المحتجون بالتقاعس والتواطؤ بالصمت، مطالبين باتخاذ موقف حازم ضد ما يحدث من “تطهير عرقي” بحق الفلسطينيين.
أصوات من الداخل: انتقادات لاذعة للحكومة
الناشط السويدي المعروف لارس أوهلي، وهو أحد المشاركين في التظاهرة، وجه انتقادات حادة لحكومة بلاده، قائلًا:
“ما يحدث الآن مثير للاشمئزاز حقًا. إسرائيل تقصف المدارس والمستشفيات وتقتل الصحفيين وعمال الإغاثة، وتستهدف الأطفال، والحكومة السويدية لا تزال صامتة!”.
أوهلي وصف ما يجري في غزة بـ”الإبادة الجماعية”، مشيرًا إلى أن أكثر من 50 ألف قتيل فلسطيني سقطوا منذ بدء العدوان، ومع ذلك لم تُبدِ الحكومة أي موقف يُذكر.
وأضاف:
“يجب على الحكومة السويدية الآن أن تتخذ إجراءات حقيقية ضد الاحتلال والتطهير العرقي”.
خلفية سياسية: السويد بين المبادئ والمصالح
على الرغم من أن السويد كانت تاريخيًا من بين أكثر الدول الأوروبية تعاطفًا مع القضية الفلسطينية، فإن موقف الحكومة الحالية – ذات التوجه اليميني المعتدل – بدا أكثر تحفظًا، بل واقترابًا من موقف الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، خاصة بعد مساعي الانضمام إلى الناتو.
ورغم التصريحات الرمزية التي صدرت عن بعض المسؤولين السويديين، لم تتخذ الحكومة أية خطوات عملية للضغط على إسرائيل أو المطالبة بتحقيق دولي في الجرائم المرتكبة.
هذا التباين بين الموقف الشعبي والموقف الرسمي يُظهر فجوة سياسية آخذة في الاتساع داخل المشهد السويدي.
دلالات التوقيت: هل بدأت أوروبا تتغير؟
تأتي هذه التظاهرة في وقت يتزايد فيه الزخم الشعبي المناهض لإسرائيل في عدد من العواصم الأوروبية، خاصة بعد تواتر التقارير الحقوقية الأممية والدولية التي تشير إلى احتمال وقوع جرائم ضد الإنسانية في غزة.
احتجاجات ستوكهولم قد تمثل جرس إنذار للحكومات الأوروبية التي لا تزال تتعامل مع حرب غزة بمنطق مزدوج، إذ بات واضحًا أن الرأي العام لم يعد مستعدًا لتجاهل المجازر أو الاكتفاء بالتصريحات الدبلوماسية الفارغة.
انعكاسات محتملة: هل تُجبر التظاهرات الحكومة على التحرك؟
-
ضغوط داخلية متزايدة
من المتوقع أن تشهد الحكومة السويدية ضغوطًا من البرلمان ومنظمات المجتمع المدني لاتخاذ مواقف أكثر وضوحًا، خاصة في ظل تزايد مشاعر الغضب داخل الرأي العام. -
تحرك أوروبي أوسع؟
قد تساهم هذه الاحتجاجات، إذا ما تكررت وامتدت، في تشكيل كتلة ضغط شعبية على مستوى الاتحاد الأوروبي للمطالبة بمراجعة العلاقة مع إسرائيل، أو على الأقل فرض قيود على صادرات السلاح إليها. -
تأثير في السياسات الانتخابية
مع اقتراب الانتخابات المحلية والبرلمانية، قد يجد السياسيون أنفسهم مضطرين لمجاراة الشارع إذا ما أرادوا الحفاظ على أصواتهم، خصوصًا في صفوف الناخبين الشباب والجاليات المهاجرة.
شارع غاضب وحكومة في مأزق أخلاقي
تظاهرة ستوكهولم هي أكثر من مجرد احتجاج؛ إنها رسالة قوية إلى الحكومة السويدية بأن الصمت لم يعد مقبولًا. ومع استمرار المجازر في غزة، وتصاعد أعداد القتلى والجرحى والمفقودين، سيصبح من الصعب على الحكومات الأوروبية، بما فيها السويد، الاستمرار في سياسة “الحياد الصامت” دون أن تدفع ثمنًا سياسيًا وأخلاقيًا.