كشفت وسائل إعلام عبرية، مساء السبت، عن تطور جديد في سياق العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، إذ أعلن جيش الاحتلال عن إدخال جميع ألوية المشاة والمدرعات النظامية التابعة له إلى داخل القطاع. هذه الخطوة تأتي في إطار تحشيد عسكري متصاعد، تمهيدًا لتوسيع رقعة العمليات البرية، في ما يبدو أنه تمهيد لموجة جديدة من التصعيد في الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة منذ أكثر من سبعة أشهر.
التحركات العسكرية الإسرائيلية تعكس تحولًا نوعيًا في الاستراتيجية المعتمدة، مع التركيز على الاجتياح البري وتكريس الاحتلال الميداني لمناطق محددة، وسط استمرار المجازر الجماعية التي يرتكبها الجيش بحق السكان المدنيين، والتي أسفرت منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 عن استشهاد وإصابة أكثر من 176 ألف فلسطيني، غالبيتهم من الأطفال والنساء، فضلًا عن تسجيل أكثر من 11 ألف مفقود تحت الأنقاض أو في ظروف غير معلومة.
إدخال تسعة ألوية نظامية إلى غزة
بحسب ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية الرسمية عن مصادر عسكرية، فإنّ الجيش الإسرائيلي أكمل خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة إدخال تسعة ألوية من المشاة والمدرعات النظامية إلى غزة. ووصفت الهيئة هذه الخطوة بأنها جزء من خطة موسعة لتوسيع العمليات البرية، والتي تدخل ضمن إطار ما تصفه إسرائيل بـ”المناورات الميدانية” الهادفة إلى فرض السيطرة على أراضٍ استراتيجية داخل القطاع.
ويُعد هذا الانتشار الميداني الكامل لجميع ألوية النخبة النظامية سابقة في طبيعة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ويؤشر إلى نية واضحة لاحتلال مساحات جغرافية أوسع والتمركز الدائم فيها، ما يعيد إلى الأذهان نماذج السيطرة العسكرية طويلة الأمد التي مارستها إسرائيل في جنوب لبنان سابقًا.
عملية “عربات جدعون” وتوسيع نطاق العدوان
في الرابع من مايو/ أيار الجاري، أقرّ “الكابينت” الإسرائيلي، وهو المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، خطة عسكرية جديدة حملت اسم “عربات جدعون”، والتي تُعد بمثابة إعادة صياغة موسعة لمفهوم الحرب الشاملة على غزة. وتشمل الخطة، وفقًا للتسريبات الإسرائيلية، توسيع الجبهات البرية والاعتماد على قوات احتياطية ضخمة، حيث باشرت الحكومة فعليًا استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، في مؤشر واضح على الاستعداد لحرب طويلة الأمد.
وتنص بنود الخطة المعلنة على تنفيذ عمليات إجلاء قسري شاملة لسكان غزة، لا سيما في مناطق الشمال، ونقلهم إلى مناطق جنوبية يُفترض أنها “آمنة”. غير أن هذا “الإجلاء” القسري يأتي في سياق فرض وقائع ديمغرافية جديدة، وهو ما يثير المخاوف من نوايا تطهير عرقي ممنهج، خاصة في ظل التصريحات المتكررة لمسؤولين إسرائيليين عن ضرورة “تقليص عدد سكان غزة” وضمان “عدم عودة المسلحين إلى المناطق التي سيتم احتلالها”.
فشل التهدئة ومواصلة التصعيد
التحشيد الميداني الإسرائيلي يتزامن مع فشل الجولات الأخيرة من مفاوضات وقف إطلاق النار، التي جرت بوساطة أطراف إقليمية ودولية دون التوصل إلى اتفاق شامل. ومع تعثر هذه المفاوضات، أعلن الجيش الإسرائيلي عن انطلاق المرحلة الأولى من عملية “عربات جدعون”، عبر تنفيذ ضربات مركزة وتحريك وحدات برية باتجاه مواقع توصف بأنها “استراتيجية”، تشمل نقاطًا على امتداد الشريط الحدودي وفي قلب المناطق الحضرية.
ويُنظر إلى هذا التصعيد على أنه محاولة إسرائيلية لإعادة رسم خريطة غزة العسكرية، بما ينسف أي تفاهمات سياسية مستقبلية قائمة على مبدأ “الانسحاب مقابل التهدئة”، ويكرس واقعًا جديدًا تُفرض فيه معادلة الاحتلال الميداني طويل الأمد كأمر واقع لا رجعة فيه.