في مشهد انتخابي استثنائي شهدته مناطق جنوب لبنان أمس، تمكن اللبنانيون من إنجاز المرحلة الأخيرة من الانتخابات البلدية والاختيارية، وسط أجواء أمنية مشددة وضمانات دولية حالت دون أي تصعيد عسكري على الحدود، ما أعاد الأمل بمسار ديمقراطي قابل للاستمرار حتى في أحلك الظروف.
ضمانات دولية… وإرادة محلية
تقدمت الضمانات الدولية التي حصلت عليها الدولة اللبنانية من جهات فاعلة، بالطمأنينة في الجنوب، إذ أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون – خلال اقتراعه في بلدته العيشية – أن هناك «ضمانات بعدم حصول أي اعتداءات إسرائيلية»، ما أتاح فتح صناديق الاقتراع بأريحية في المناطق الحدودية الحساسة.
هذه الضمانات جاءت نتيجة اتصالات مكثفة من قبل الدبلوماسية اللبنانية مع المجتمع الدولي، وضغوط مورست على الجانب الإسرائيلي لضمان الهدوء خلال النهار الانتخابي. وزير الداخلية والبلديات، أحمد الحجار، أشار خلال جولته في بلدة شبعا إلى أن «كل الاتصالات الدبلوماسية مطمئنة، ونحن متمسكون بسيادة الدولة الحاضرة إلى جانب الشعب»، وهو ما شكّل غطاءً سياسياً ضرورياً لإنجاز العملية الانتخابية.
المستقلون يُكسرون احتكار «الثنائي الشيعي»
في المقابل، وعلى الرغم من التوافقات الواسعة التي عقدها «الثنائي الشيعي» (حزب الله وحركة أمل) مع العائلات الجنوبية، والتي أدت إلى التزكية في نحو 40% من بلدات الجنوب، فقد ظهرت مفاجآت انتخابية في بلدات أخرى حيث نجح مرشحون مستقلون في فرض معارك انتخابية حقيقية.
المستقلون الذين قرروا الترشح في وجه اللوائح المدعومة من «الثنائي»، كسروا منطق التزكيات التلقائية، ودخلوا المنافسة بقوة، مدفوعين بحالة من الرفض الشعبي لمحاولات فرض نتائج مسبقة. وبرزت هذه التحركات خاصة في المناطق التي شهدت حراكاً مدنياً سابقاً، وهو ما أعاد الروح إلى الحياة الديمقراطية على المستوى المحلي.
الجنوب بين التوتر والانتخابات: نموذج صمود ديمقراطي
لا يمكن قراءة هذا المشهد الانتخابي بمعزل عن الواقع الأمني الذي يعيشه الجنوب اللبناني منذ أشهر، مع استمرار التوترات على الحدود. ومع ذلك، نجح اللبنانيون في الجنوب بتحقيق استحقاقهم الانتخابي وسط تحديات سياسية وأمنية جسيمة.
الاقتراع في بلدات مثل العيشية، شبعا، وكفرشوبا لم يكن مجرد استحقاق بلدي، بل رسالة واضحة بأن الجنوب قادر على حماية حقه الديمقراطي، حتى في أكثر الظروف تعقيداً. هذا الإنجاز، الذي جاء نتيجة تعاون بين السلطات المحلية والجيش اللبناني والقوى الأمنية، يعبّر عن صلابة البنية الاجتماعية والسياسية في الجنوب.
الرئيس عون في العيشية: تصويت رمزي في قلب الجنوب
في لحظة رمزية، أدلى الرئيس جوزيف عون بصوته في بلدة العيشية، مسقط رأسه، ما حمل دلالة واضحة على التمسك بالشرعية والمؤسسات، رغم التحديات. ظهوره في تلك البلدة الجنوبية شكل رسالة دعم للمسار الديمقراطي، وتأكيداً على التزام القيادة اللبنانية بإجراء الانتخابات في كل المناطق.
نهاية مرحلة.. واستحقاقات
بانتهاء المرحلة الأخيرة من الانتخابات البلدية والاختيارية، يُطوى ملف انتخابي مهم كان يُخشى تعثره بسبب التوترات الأمنية والظروف السياسية المعقدة. لكن الجنوب، ومعه كل لبنان، أثبت أن الإرادة الشعبية، حين تتوفر الضمانات السياسية والأمنية، قادرة على صنع الفارق.
العيون تتجه الآن إلى كيفية ترجمة هذه الانتخابات إلى عمل بلدي فاعل يعالج أزمات الخدمات والإنماء في مناطق تعاني من نقص مزمن. كما أن التجربة الانتخابية هذه تطرح أسئلة جديدة حول مستقبل الحياة السياسية المحلية، خاصة في ظل تنامي حضور المستقلين والمجتمع المدني.
جنوب لبنان، الذي كان ساحة نزاع طويل، اختار أمس أن يكون ساحة اقتراع، وبين صواريخ لا تزال تهدد الحدود وصناديق اقتراع فتحت أبواب التغيير، تجلى مشهد ديمقراطي نادر في زمن الاصطفافات. فهل تكون هذه الانتخابات تمهيداً لتغيير أوسع في الحياة السياسية اللبنانية؟