في مشهد يثير القلق والحزن، اندلعت حرائق واسعة النطاق في مرتفعات الجبل الأخضر قرب مدينة البيضاء وضواحيها شمال شرقي ليبيا، ملتهمة مساحات خضراء شاسعة من الغابات الطبيعية التي طالما كانت أحد أبرز رموز الجمال البيئي في البلاد.
وأفادت مصادر صحفية، أن ألسنة اللهب تصاعدت بسرعة مذهلة بفعل الرياح الجافة، وسط تحذيرات من توسّع النيران في ظل موجة حرارة شديدة تشهدها المنطقة. وأظهرت صور جوية ألسنة اللهب وهي تمتد لمسافات طويلة في الغابات الكثيفة، مهدّدة التجمعات السكانية المجاورة.
الرياح الجنوبية تزيد الطين بلة
ووفقاً لوكالة الأنباء الليبية، حذّرت مؤسسة “رؤية” لعلوم الفضاء من هبوب رياح جنوبية قوية قد تتجاوز سرعتها 80 كيلومتراً في الساعة، ما يعني أن النيران قد تنتقل إلى مناطق جديدة بسرعة يصعب على فرق الإطفاء السيطرة عليها.
ويشير خبراء الأرصاد إلى أن هذه الرياح، المعروفة محلياً برياح “القبلي”، تُعد من أسوأ العوامل المناخية المساعدة على انتشار الحرائق في المناطق الجبلية والغابات.
غياب التجهيزات يعرقل جهود الإطفاء
في الوقت الذي يكافح فيه السكان وبعض فرق الدفاع المدني الحريق بإمكانات محدودة، تتصاعد الأصوات المطالبة بـتدخل حكومي عاجل وتوفير طائرات الإطفاء، والمعدات الثقيلة، وفرق الإنقاذ المتخصصة.
قالت إحدى منظمات المجتمع المدني في مدينة البيضاء: “نشعر أننا نواجه نيراناً هائلة بأيدينا العارية. الإمكانيات شبه منعدمة، والخطر يداهم الجميع”.
السكان في مواجهة المجهول
مواطنون كُثر تمّ إجلاؤهم من منازلهم القريبة من الغابات، خاصة في القرى الجبلية، بعد اقتراب الحرائق بشكل مخيف من مناطقهم السكنية. وقد أعلنت بعض الأسر عن فقدان ماشيتها ومزارعها بسبب ألسنة اللهب التي لم تترك شيئاً في طريقها.
يقول المواطن عبد السلام البرعصي من منطقة الحمامة القريبة من البيضاء: “رأينا النار تلتهم الجبال وكأنها مشهد من نهاية العالم. لم نرَ شيئاً كهذا من قبل.”
الأسباب المحتملة: طبيعي أم بشري؟
بينما ترجّح الجهات الرسمية أن السبب يعود للحرارة الشديدة والرياح الجافة، لم يُستبعد وجود أسباب بشرية. ويرى بعض المختصين في شؤون البيئة أن الإهمال البشري أو حتى الحرق العشوائي للمخلفات الزراعية قد يكون من العوامل المساهمة في إشعال شرارة الكارثة.
ويؤكد الخبير البيئي الدكتور سفيان الورفلي أن “الغطاء النباتي في الجبل الأخضر هش للغاية، وأي تصرف طائش أو شرارة صغيرة قد تتحول إلى كارثة إذا لم تُعالج فوراً”.
تداعيات بيئية واقتصادية جسيمة
تُعد منطقة الجبل الأخضر واحدة من أغنى المناطق الطبيعية في ليبيا، وتدميرها بهذه الطريقة لا يمثّل فقط خسارة جمالية أو طبيعية، بل أيضاً ضربة للزراعة المحلية والسياحة البيئية المحدودة في المنطقة.
ويشير تقرير بيئي حديث إلى أن استعادة الغطاء النباتي بعد حرائق مماثلة قد تستغرق عقوداً كاملة في ظل غياب برامج إعادة تشجير فعّالة.
هل تتسع دائرة النار؟
رأي الخبراء لا يبشّر بالخير. إذ يتوقّع بعضهم أن الحريق قد يتوسّع إلى مناطق جديدة في حال عدم التدخل العاجل. ويقول الأستاذ علي جبريل، المختص في إدارة الكوارث: “إذا لم يتم حصر النيران خلال الـ48 ساعة القادمة، فإننا أمام كارثة طبيعية بكل المقاييس”.
بين لهيب النار وصمت السلطات، تشتعل جبال ليبيا حزناً وألماً. كارثة كهذه، في بلد يمر بأزمات سياسية واقتصادية، تُنذر بأن البيئة الليبية قد تكون الضحية القادمة.