في غزة، لم يعد البحث عن “لقمة خبز” مجرد فعل يومي بسيط، بل تحوّل إلى رحلة محفوفة بالموت، ومشهد تُكتب فيه القصص بدماء الأبرياء ودموع الأطفال. خلال الأيام الأخيرة، لم تكن الحكاية عن مواجهات عسكرية أو تبادل نيران بين طرفين متحاربين، بل عن مدنيين عُزّل، بينهم أطفال، خرجوا بحثاً عن الطعام، فعادوا جثثاً هامدة.
صراخ الناس اختلط بصراخ الأطفال
تقول وزارة الصحة في غزة إن تسعة مواطنين استشهدوا وأُصيب أكثر من 60 آخرين خلال 48 ساعة فقط، بالقرب من مراكز توزيع المساعدات في رفح. البعض منهم كان يقف في طابور طويل تحت الشمس، أملاً في كيس طحين أو علبة حليب، بينما تسقط فوقهم الرصاصات. أحد الشهود روى أن صراخ الناس اختلط بصراخ الأطفال، فيما كان الغبار والدم يغطيان الأرض. هل تخيّلت يوماً أن انتظار الطعام قد يكلّفك حياتك؟
في دوار العلم غرب رفح، كان شاب عشريني يبحث عن المساعدات، يحمل بيده حقيبة صغيرة ليملأها بما تيسر، لكن الرصاص الإسرائيلي لم ينتظر أن يسأله ما الذي جاء به إلى هنا. سقط صريعاً، وسط ذهول من كانوا حوله. أحدهم كان يصرخ: “كان جايب أكل لأخته المريضة… ليش؟ ليش؟”
مشاهد مؤلمة
وفي جباليا شمال القطاع، استُهدف منزل وروضة أطفال تؤوي نازحين. طفلتان كانتا نائمتين بجانب أمهما عندما ضرب الصاروخ سقف الروضة.. لم تستيقظا بعدها أبداً. لم يكن هناك سلاح، ولا مسلحون. فقط أطفال، ونازحون، ونساء حاولن الاحتماء من صقيع الحرب خلف جدران متهالكة.
الحكايات لا تنتهي، بل تتكرر كل يوم، وكل مشهد أشد إيلاماً من الذي سبقه. خان يونس، قيزان أبو رشوان، جباليا، رفح… كل مدينة باتت شاهدة على مأساة لا تتوقف، وعلى جثث تُنتشل من بين أنقاض الروح قبل أن تكون أنقاض الحجر.
طهي ورق الأشجار لسد الجوع
وفي ظل استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات، تتفاقم المجاعة. تقول وكالات إنسانية إن الجوع بات يهدد حياة عشرات الآلاف، وخاصة الأطفال، بعد أن قضى بعضهم جوعاً حرفياً. مشاهد الأطفال ذوي العيون الغائرة والبطون المنتفخة، أمهات يطهون أوراق الأشجار، ورجال يبحثون في ركام المخابز عن بقايا دقيق.. هذه ليست مشاهد من مجاعة قديمة أو فيلم وثائقي عن إفريقيا في القرن الماضي، بل من غزة، 2025.
من يبحث في غزة عن “النجاة”، لا يبحث عن مكان آمن، بل عن رغيف خبز لا يكلّفه حياته. وهنا تكمن المأساة الكبرى: أن تكون الجريمة الكبرى، هي الجوع… وأن يكون القتل، هو ثمنه.