تستعر الحرب في شرق الكونغو الديمقراطية منذ سنوات، وتراوح بين مواجهة مباشرة بين كينشاسا ورواندا، وبين صراع بالوكالة تقوده جماعات متمردة، أبرزها “حركة 23 مارس”. يعود أصل النزاع إلى حربي الكونغو الأولى (1996-1997) والثانية (1998-2003)، ورغم توقيع اتفاقيات وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الرواندية في 2003، ثم اتفاق 2013 لتفكيك الحركة وإعادة دمجها في الجيش الوطني، فإن نيران الحرب تجدّدت بقوة منذ أواخر 2021.
في ديسمبر 2021، ظهرت حركة 23 مارس مجدداً كقوة متمردة فعالة، وبلغت ذروتها في السيطرة على مدينة غوما (شمال كيفو) في يناير 2025، ثم على بوكافو (جنوب كيفو) في فبراير من نفس العام. وارتفعت نبرة الحركة التهديدية، معلنة نيتها التقدم نحو العاصمة كينشاسا، حيث صرّح أحد قادتها السياسيين بأن هدفهم هو “الاستيلاء على السلطة وقيادة البلاد”.
حرب تغذيها الثروات الباطنية
الكونغو الديمقراطية غنية بموارد طبيعية نادرة، منها الذهب والكولتان، الذي يُستخدم في صناعات استراتيجية كالمفاعلات النووية والطائرات. هذه الثروات ليست مجرد موارد اقتصادية، بل أصبحت عوامل محورية تؤجّج النزاع. فدول الجوار، وعلى رأسها رواندا، تتدافع لضمان الوصول لهذه الثروات، عبر دعم حركات متمردة كـ”23 مارس”، من أجل السيطرة على المناجم الحيوية.
تشير تقارير أممية إلى أن رواندا تستفيد من صادرات الكولتان عبر منجم “روبايا”، الذي يُعدّ أكبر منتج لهذه المادة في الكونغو، بعد أن سيطرت عليه حركة 23 مارس في مايو 2024. وبحسب هذه التقارير، يتم تصدير حوالي 120 طناً شهرياً من الكولتان إلى رواندا، ما يعزز فرضية أن الحرب ليست فقط نزاعاً سياسياً، بل اقتصادياً مدفوعاً بمصالح إقليمية.
هشاشة اتفاقيات السلام
أحد أبرز أسباب استمرار الحرب هو فشل التسويات السابقة. اتفاق 2013، الذي نص على دمج مقاتلي الحركة ونزع سلاحهم، لم يُطبّق فعلياً. الحكومة الكونغولية أخفقت في تنفيذ البرامج الإصلاحية، وفشلت في تسوية الخلافات مع رواندا. هذه الإخفاقات فتحت الباب أمام عودة الحرب، وزادت من انعدام الثقة بين الأطراف، وأضعفت فرص التوصل إلى سلام مستدام.
مع سيطرة المتمردين على مدن كبرى، وتوسع تهديداتهم نحو العاصمة، يزداد القلق الإقليمي والدولي من تفاقم الأزمة وتحولها إلى حرب أهلية شاملة. في ظل غياب ضغط دولي جاد، واستمرار الفشل في معالجة الجذور السياسية والاقتصادية للنزاع، تبدو احتمالات التهدئة ضعيفة، بينما يبقى شرق الكونغو رهينة لصراع تتشابك فيه مصالح السلاح والموارد والهوية.