في الأسابيع الأخيرة، بدا أن العلاقة بين إيطاليا وفرنسا تواصل مسارها المتوتر، مع تصاعد الانتقادات الموجهة من بعض المعلقين الإيطاليين إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وسياسته الخارجية. وفيما يرى البعض أن هذه الانتقادات تمثل انعكاساً لطبيعة النقاش السياسي الداخلي في إيطاليا، فإنها تسلط الضوء في الوقت ذاته على موقع روما في الخارطة الأوروبية، وتحديداً في ما يتعلق بموقفها من الحرب في أوكرانيا والعلاقة عبر الأطلسي.
ميلوني وتحالف “الراغبين”
تُولي رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني أهمية بالغة لدور إيطاليا في “تحالف الراغبين”، وهي مجموعة غير رسمية من الدول الأوروبية التي تبنت موقفاً داعماً ومباشراً لأوكرانيا منذ اندلاع الحرب. وضمن هذا الإطار، تحرص روما على أن تُظهر التزاماً واضحاً تجاه التحالف الغربي، مع التأكيد على دورها كطرف فاعل في استقرار أوروبا.
بالنسبة للحكومة الإيطالية، فإن دعم أوكرانيا لا يرتبط فقط بالاعتبارات الأخلاقية أو الإنسانية، بل يشكل أيضاً جزءاً من استراتيجية لإعادة التأكيد على موقع إيطاليا داخل المحور الغربي. ويكتسب هذا التوجه أهمية خاصة في ظل التحديات التي فرضتها عودة دونالد ترامب إلى الساحة السياسية الأمريكية، وما تثيره من تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين.
بين الهوية الأوروبية والرؤية الأطلسية
منذ عقود، اعتمدت السياسة الخارجية الإيطالية على ركيزتين رئيسيتين: العضوية في الاتحاد الأوروبي، والتحالف الوثيق مع الولايات المتحدة. وبينما تحاول ميلوني الحفاظ على هذا التوازن، فإنها تواجه واقعاً سياسياً متغيراً، تتباين فيه وجهات النظر الأوروبية بشأن مستقبل العلاقة مع واشنطن.
ففي الوقت الذي تظهر فيه فرنسا، على سبيل المثال، قدراً من الحذر والتحفظ حيال متانة التحالف عبر الأطلسي، لا تزال إيطاليا تتبنى موقفاً أكثر تفاؤلاً، بل تسعى إلى ترسيخ قناعتها بأن العلاقة مع الولايات المتحدة ستعود إلى مسارها الطبيعي، خاصة بعد تجاوز المرحلة الانتقالية السياسية في البيت الأبيض. وقد عبّرت ميلوني عن هذا التصور خلال زيارتها إلى واشنطن في أبريل الماضي، حين شددت على أهمية الحفاظ على وحدة الصف الغربي، ووجهت رسائل واضحة إلى دوائر صنع القرار الأمريكي، بمن فيهم أنصار ترامب.
اختلاف في الأسلوب لا في الهدف
من المهم الإشارة إلى أن التباين بين روما وباريس لا يعكس بالضرورة خلافاً جوهرياً حول السياسات الأوروبية أو أولويات التحالف مع واشنطن، بل هو في الغالب اختلاف في الأسلوب السياسي وفي كيفية التعبير عن المصالح المشتركة. فبينما تعتمد فرنسا خطاباً نقدياً وأكثر استقلالية، تميل إيطاليا إلى التركيز على تعزيز الروابط التقليدية وتبني خطاب توفيقي يسعى إلى بناء الجسور بدلاً من إعادة رسم الحدود.
ورغم كل الانتقادات المتبادلة، لا يمكن القول إن هذا التوتر يعطّل التنسيق بين البلدين في الملفات الكبرى، خصوصاً في الشأن الأوروبي. بل إن ثبات الموقف الإيطالي من دعم أوكرانيا، وتفاعلها مع القضايا الأمنية والاقتصادية في أوروبا، يعكس التزاماً واضحاً بالبقاء ضمن دائرة القرار الأوروبي، حتى مع استمرار التنافس المشروع مع باريس.
خاتمة
في المحصلة، يبقى التنافس بين فرنسا وإيطاليا جزءاً من ديناميكية السياسة الأوروبية التي تتسم بالحيوية والاختلاف المشروع في الرؤى والمقاربات. وإذا كانت روما تسعى إلى تعزيز موقعها في التحالفات الغربية من خلال خطاب متماسك ومتوازن، فإن ذلك لا يعني بالضرورة تفاقم الانقسامات، بل يمكن أن يشكل دافعاً لمزيد من التنسيق المشترك، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية التي تواجهها القارة الأوروبية بأسرها.