مع تصاعد التوترات في البحر الأحمر، وتكثيف الهجمات المتبادلة بين جماعة الحوثي وقوات بحرية دولية بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا، تزداد التساؤلات حول احتمالية حدوث تدخل عسكري أوسع نطاقًا في اليمن. فهل تتهيأ المنطقة لجولة جديدة من الحرب؟ أم أن التحركات العسكرية الحالية تظل في إطار الردع والتوازن دون انزلاق نحو مواجهة مباشرة شاملة؟
تصعيد غير مسبوق في البحر الأحمر
شهدت الأشهر الماضية تصعيدًا لافتًا في الهجمات التي استهدفت سفنًا تجارية في البحر الأحمر، تحت مبررات تتعلق بدعم إسرائيل في حربها على غزة. ورغم أن هذه الهجمات غالبًا ما تتبناها جماعة الحوثي في اليمن، إلا أن ردود الفعل الدولية، خاصة من قبل تحالف “حارس الازدهار” بقيادة الولايات المتحدة، تشير إلى أن اليمن قد يكون على شفا مواجهة جديدة متعددة الأطراف.
ولعل الهجمات الجوية والصاروخية التي نُفذت مؤخرًا ضد مواقع للحوثيين في صنعاء وصعدة والحديدة، تُعبّر عن تحوّل تدريجي من الردع المحدود إلى ما قد يُصبح حملة عسكرية أكثر شمولًا في حال استمرار التهديدات للملاحة الدولية.
تحذيرات ومؤشرات على تصعيد محتمل
التصريحات الصادرة من عواصم غربية وعربية تعكس تخوّفًا متزايدًا من تحوّل الوضع في اليمن إلى أزمة إقليمية مركبة. فقد أشار مسؤولون أمريكيون إلى أن “كل الخيارات مطروحة” للرد على تهديدات الحوثيين، بينما أبدت بعض الدول الخليجية استعدادها للمشاركة في تحركات عسكرية محدودة لحماية المصالح الحيوية في البحر الأحمر.
وتشير تقارير استخباراتية متداولة إلى أن القوات الغربية قد تُعزز وجودها البحري والجوي في منطقة القرن الإفريقي وباب المندب، تحسبًا لأي تصعيد من الجانب الحوثي أو من داعميه الإقليميين.
التوازنات الإقليمية.. حسابات معقدة
أي تدخل عسكري مباشر في اليمن لن يكون مجرد خطوة تكتيكية. بل هو قرار محفوف بالحسابات الدقيقة، خصوصًا في ظل واقع إقليمي شديد التعقيد. فإيران، الداعم الرئيس للحوثيين، تراقب المشهد عن كثب، وتُلمّح إلى أن التصعيد ضد الحوثيين سيُقابل بردود غير متوقعة في ساحات أخرى.
من جهة أخرى، تلتزم السعودية حاليًا بسياسة التهدئة والانخراط في محادثات غير معلنة تهدف إلى الوصول إلى تسوية مستدامة في اليمن، بعدما عانت لسنوات من كلفة الحرب المباشرة. ومع أن الرياض لا تزال تعتبر الحوثيين خطرًا إستراتيجيًا، إلا أنها تفضل، حتى اللحظة، الحلول السياسية وتخشى من تصاعد غير منضبط قد يُفشل جهود التهدئة التي تقودها وساطات إقليمية ودولية.
الحوثيون: من جماعة محلية إلى لاعب إقليمي
التحولات في موقع جماعة الحوثي لم تعد محصورة في حدود النزاع اليمني. فمع التطورات الأخيرة، أصبحت الجماعة تُقدّم نفسها كجزء من “محور مقاومة” إقليمي يتجاوز اليمن، ما يمنحها أدوارًا تتجاوز وزنها الداخلي. هذا التموضع يجعل أي مواجهة معها ذات بعد إقليمي، ويضعها ضمن أولويات الاستراتيجيات الأمنية للقوى الدولية في الشرق الأوسط.
ورغم الهجمات المتكررة التي طالت بعض مواقعها، يبدو أن الحوثيين لا يظهرون إشارات تراجع. بل يواصلون التأكيد على استمرار عملياتهم حتى توقف الحرب في غزة و”رفع الحصار” عن الشعب الفلسطيني، بحسب بياناتهم.
خيارات محدودة.. ونذر مواجهة غير واضحة المعالم
حتى اللحظة، لا توجد مؤشرات مؤكدة على نية تحالف دولي شنّ عملية برية داخل اليمن. ومع أن الضربات الجوية قد تتوسع في المدى والأهداف، فإن شنّ تدخل عسكري واسع يتطلب توافقًا سياسيًا وعسكريًا يصعب توفره في ظل التجاذبات الدولية الحالية، والانشغال الأمريكي بالأزمة الأوكرانية والتحضير للانتخابات الرئاسية.
وبالمقابل، فإن تفاقم التهديدات للملاحة الدولية قد يسرّع من اتخاذ قرارات غير تقليدية، خصوصًا إذا استمرت الهجمات أو حدثت خسائر بشرية كبيرة في صفوف الأطقم البحرية الغربية.
الاحتمال قائم.. لكن ليس وشيكًا بعد
رغم التصعيد الميداني والتوتر السياسي، لا تزال المؤشرات تدل على أن المجتمع الدولي، بما في ذلك الأطراف الإقليمية، يسعى إلى تفادي انفجار شامل في اليمن. ويبدو أن الخيارات المتاحة حاليًا تتركز على الضربات المحدودة وعمليات الضغط السياسي أكثر من استعداد فعلي لتدخل عسكري واسع النطاق.
لكن هذا الوضع يمكن أن يتغير بسرعة إذا لم تُضبط وتيرة التصعيد، أو إذا ارتكبت الجماعة الحوثية هجومًا يغيّر قواعد الاشتباك. وبالتالي، فإن سيناريو التدخل العسكري الشامل لا يزال محتملًا، لكنه حتى اللحظة ليس وشيكًا بشكل مباشر.