اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلي للمستشفيات في قطاع غزة، وعلى رأسها المستشفى الإندونيسي في بيت لاهيا، يحمل أبعاداً تتجاوز الطابع العسكري المعلن ويكشف عن استراتيجية متعمّدة لضرب البنى التحتية المدنية، خصوصاً تلك التي تمثّل “ملاذات إنسانية” في زمن الحرب. هذا السلوك ليس حادثاً معزولاً، بل بات جزءاً من نمط متكرر وممنهج، يُشير إلى تغيّر نوعي في قواعد الاشتباك التي تنتهجها إسرائيل خلال هذه الجولة من الحرب على غزة.
الاقتحام الأخير جاء بعد أيام من الحصار الشامل على المستشفى، حيث تم حرمان المرضى والكوادر الطبية من الغذاء والماء، وهي خطوة تشير إلى سعي ممنهج لدفع الطاقم الطبي والمرضى إلى الخروج “طوعاً” قبل دخول القوات الإسرائيلية، ما يعطي الاحتلال مبرراً شكلياً أمام المجتمع الدولي لتبرير اقتحامه لمنشأة طبية تحت ذريعة “إخلائها”.
لكن الأهم من ذلك هو ما وراء هذه الاقتحامات، والتي يمكن فهمها ضمن ثلاثة مستويات متداخلة:
الهدف العسكري والسياسي
إسرائيل تحاول تفكيك ما تعتبره “شبكات الدعم اللوجستي والقيادي لحماس” المموهة داخل البنية المدنية، وفي هذا السياق يُروَّج – دون تقديم أدلة ملموسة – أن المستشفيات تُستخدم من قبل فصائل المقاومة كمخابئ أو مراكز اتصالات. هذا الخطاب يهدف إلى تبرير الانتهاك الفاضح للقانون الدولي الإنساني، والذي ينص بوضوح على أن المرافق الطبية محمية، ما لم تُستخدم لأغراض عسكرية مثبتة.
البعد الرمزي والنفسي
المستشفيات ليست فقط أماكن للعلاج، بل رموز للنجاة والأمان وسط الدمار. اقتحامها وتفجيرها كما حدث مع “مستشفى نورة الكعبي” يُرسل رسالة واضحة للمجتمع الفلسطيني: لا مكان آمن في غزة. هذا التكتيك يهدف إلى خلق حالة من الانهيار المعنوي والانفلات الاجتماعي، عبر سحق المساحات القليلة التي بقيت تُوفّر الحد الأدنى من الشعور بالحياة.
اختبار صبر المجتمع الدولي
كل عملية اقتحام لمستشفى تمثّل تحدياً صارخاً للمجتمع الدولي، وتضعه أمام معضلة: هل يصمت مجدداً؟ أم يُحرّك آلياته للمحاسبة؟ حتى الآن، تراهن إسرائيل على أن الغطاء الغربي، لا سيما الأميركي، سيمنع أي رد دولي فعّال، مما يعطيها مساحة إضافية للمناورة وتوسيع دائرة الانتهاكات.
في المحصّلة، فإن ما يجري في غزة ليس مجرد معركة عسكرية، بل تفكيك للبنية الاجتماعية والإنسانية للقطاع. المستشفيات، كمؤسسات للشفاء والرعاية، تحوّلت بفعل هذه الاقتحامات إلى أهداف معلنة في حرب وجودية تدفع فيها غزة الثمن من أجساد أطفالها ومرضاها.