أثارت تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بشأن ذكرى قمع احتجاجات ميدان تيانانمين عام 1989، ردًّا حادًا من بكين، التي اتهمت واشنطن بـ”تشويه الحقائق” و”التدخل الخطير” في شؤونها الداخلية.
روبيو، الذي لطالما تبنّى خطابًا حادًّا تجاه الخصوم الجيوسياسيين لواشنطن، قال في بيان بمناسبة الذكرى السادسة والثلاثين للمجزرة إن “العالم لن ينسى أبدًا” قمع المتظاهرين في ميدان تيانانمين، متهمًا بكين بممارسة سياسة منهجية لطمس الوقائع. وأشاد بشجاعة الضحايا الذين “قُتلوا وهم يسعون إلى ممارسة حرياتهم الأساسية”، حسب تعبيره، مشددًا على أن القضية لا تزال حيّة في ذاكرة المجتمع الدولي.
رد صيني غاضب واحتجاج رسمي
وزارة الخارجية الصينية لم تتأخر في الرد، إذ اعتبر المتحدث باسمها، لين جيان، أن تصريحات روبيو “مشينة وتشوه الحقائق التاريخية بشكل خبيث”. وأضاف أن ما جاء على لسان الوزير الأميركي يشكل هجومًا مباشرًا على “النظام السياسي ومسار التنمية في الصين”، محذرًا من أن مثل هذه التصريحات تمثل “تدخلًا سافرًا في الشؤون الداخلية للصين”، وهو ما دفع بكين إلى تقديم احتجاج رسمي للولايات المتحدة.
وتأتي هذه التصريحات في لحظة حساسة تعيد إلى الواجهة التوترات التاريخية بين البلدين بشأن ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان، لا سيما أن الولايات المتحدة اعتادت إصدار بيانات سنوية في ذكرى قمع تيانانمين، بينما ترى الصين أن هذه المسألة “شأن داخلي تم تجاوزه منذ عقود”.
روبيو على خطى أسلافه ولكن بخطاب أكثر حدة
اللافت في بيان روبيو هذه السنة أنه اتسم بنبرة حادة مقارنة بما دأب عليه أسلافه، حتى في الإدارات الديمقراطية. وبينما كانت بيانات مثل تلك التي أصدرها وزير الخارجية الأسبق أنتوني بلينكن تحث الصين على الالتزام بتوصيات مجلس حقوق الإنسان واحترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإن روبيو لم يوجه دعوة إصلاحية بقدر ما وجه اتهامًا مباشرًا.
هذا التحول في الخطاب يعكس بوضوح المزاج السياسي السائد في واشنطن، حيث تعود قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى الواجهة، ولكن بانتقائية سياسية تركّز بالأساس على الخصوم الاستراتيجيين، وهو ما يزيد من تعقيد العلاقات الثنائية مع الصين، ويجعل ملف تيانانمين مجرد ورقة من أوراق الضغط السياسي المتبادل.
إحياء الذكرى كأداة للصراع الرمزي
تصريحات روبيو، وردّ بكين العنيف عليها، يعيدان التذكير بأن قضايا الذاكرة التاريخية تحولت إلى أدوات في صراع الهويات السياسية بين أنظمة الحكم المتنافسة. فالولايات المتحدة تصرّ على تسليط الضوء على هذه الذكرى بوصفها “مأساة حقوقية”، بينما ترى الصين أن الحديث عنها هو محاولة لفرض سردية غربية على تاريخ داخلي تقرر تجاوزه.
وبين هذا وذاك، تبقى ضحايا ميدان تيانانمين جزءًا من ذاكرة متنازع عليها بين سردية الديمقراطية الغربية ونموذج “الاستقرار مقابل التنمية” الذي تروج له بكين، في عالم تتعمق فيه الفجوات الأيديولوجية عامًا بعد عام.