في تصعيدٍ غير مسبوق منذ وقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي، شنّت إسرائيل ليل الخميس/الجمعة سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية، مُستهدفة ما وصفته بـ«مواقع تصنيع مسيّرات تابعة لحزب الله».
هذه الغارات، التي هزّت العاصمة اللبنانية، وُصفت بأنها الأعنف منذ شهور، وسط تهديدات إسرائيلية مباشرة بتوسيع دائرة التصعيد إذا لم يُنزع سلاح الحزب.
ليلة نارية تهز الضاحية.. وسكان بين الركام والصدمة
مع بزوغ فجر الجمعة، خرج سكان الضاحية الجنوبية من منازلهم المتضررة، ليتفقدوا آثار القصف الذي ترك وراءه دماراً واسعاً وخسائر مادية كبيرة.
وعبر المواطنون عن صدمتهم من حدة الضربات، مؤكدين أن الأصوات والاهتزازات كانت أشبه بزلزال، فيما عملت فرق الإسعاف والدفاع المدني طوال الليل على إزالة الأنقاض وإجلاء المصابين، في وقتٍ غابت فيه الكهرباء عن عدد من الأحياء، ما فاقم من حالة الهلع.
تهديدات إسرائيلية علنية: “إما نزع السلاح.. أو المزيد من النار”
في تصريحٍ حاد اللهجة، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن «بيروت لن تنعم بالهدوء، ولبنان لن يعرف الاستقرار إذا لم يُنزع سلاح حزب الله». وأضاف: “إذا لم تتحملوا مسؤولياتكم، سنواصل التحرك وبقوة أكبر، وبلا حدود.”
وتأتي هذه التصريحات بعد سلسلة من الاتهامات الإسرائيلية المتكررة لـ«حزب الله» باستخدام مناطق مدنية لتخزين أو تصنيع أسلحة ومسيّرات هجومية.
في تطور لافت، حذّر الجيش اللبناني من احتمال إعادة النظر في مستوى تعاونه مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية التابعة للأمم المتحدة (UNIFIL)، معتبرًا أن التصعيد الإسرائيلي يمثّل خرقًا صارخًا للقرار 1701.
وقال مصدر عسكري لبناني إن الجيش يحتفظ بحقه في اتخاذ «الإجراءات المناسبة» لحماية السيادة اللبنانية، مُلمحًا إلى أن استمرار التصعيد قد يُنهي التنسيق القائم منذ سنوات مع الجانب الدولي.
تحذيرات أممية وتخوّف دولي من تفجّر الجبهة
من جهته، دعا المبعوث الأممي إلى الشرق الأوسط، تور وينسلاند، إلى «أقصى درجات ضبط النفس»، مُحذرًا من انزلاق الوضع إلى مواجهة شاملة قد تتجاوز الحدود اللبنانية.
وأضاف في بيان مقتضب: “الوضع هش… أي خطأ في الحسابات قد يؤدي إلى تصعيد كارثي على المنطقة.”
عدد من العواصم الغربية، من بينها باريس وبرلين، أعربت عن قلقها من تطورات الساعات الماضية، داعيةً إلى احترام قرارات مجلس الأمن وتجنّب تعريض المدنيين للخطر.
ويرى مراقبون أن التصعيد الإسرائيلي الأخير ليس فقط ردًا على أنشطة عسكرية مزعومة، بل يهدف إلى فرض معادلة ردع جديدة في لبنان، تُنهي ما تعتبره إسرائيل “توازنًا هشًا” مع حزب الله.
ويحذّر المحللون من أن الضربات الجوية قد تتحول إلى سياسة ثابتة لتغيير قواعد الاشتباك، ما يضع لبنان أمام معضلة أمنية وسياسية خطيرة، في ظل انهيار اقتصادي عميق وفشل حكومي متواصل.
نار تحت الرماد.. والعين على الجنوب
رغم توقف القصف صباح الجمعة، فإن أجواء التوتر لا تزال تخيّم على الضاحية الجنوبية وباقي المناطق الحدودية. تحركات الجيش الإسرائيلي متواصلة على الجانب الآخر من الحدود، فيما استمر الطيران الحربي في التحليق المكثف فوق الأجواء اللبنانية.
ومازال اللبنانيون يتساءلون: هل ما حدث مجرّد “رسالة تحذير”، أم بداية لمرحلة أشدّ عنفاً؟
وفي غياب حل سياسي، يبقى لبنان معلقًا بين نيران الخارج وأزمات الداخل، على شفا تصعيد قد لا يملك القدرة على تحمّله.