في خطوة وصفت بأنها “حاسمة” لتهدئة الوضع الأمني المتوتر وتحسين حالة حقوق الإنسان في البلاد، رحبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بتشكيل لجنتين من قبل المجلس الرئاسي الليبي.
اللجنتان، اللتان تم تشكيلهما بمشاركة الأطراف الرئيسية في البلاد، تهدفان إلى معالجة التوترات الأمنية التي شهدتها العاصمة طرابلس، ووضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان داخل السجون ومراكز الاحتجاز.
لجنة أمنية تحت إشراف رئاسي مباشر
أعلن رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، عن تشكيل لجنة مؤقتة تُعنى بالترتيبات الأمنية والعسكرية داخل العاصمة طرابلس.
ويأتي هذا الإعلان في أعقاب سلسلة من المواجهات المسلحة التي أثارت مخاوف السكان من العودة إلى دوامة العنف، إذ تهدف اللجنة إلى وضع وتنفيذ خطة شاملة لإخلاء المدينة من المظاهر المسلحة وضمان حماية المدنيين.
اللجنة، التي تضم أطرافًا رئيسية من أجهزة الدولة الأمنية، ستعمل على تعزيز الترتيبات الأمنية واحتواء الصراعات المسلحة التي أصبحت تهدد نسيج الحياة اليومية في العاصمة.
لجنة حقوقية لمراجعة أوضاع السجون
بالتوازي مع المسار الأمني، أعلن المنفي تشكيل لجنة حقوقية مؤقتة لمتابعة أوضاع السجون ومراكز الاحتجاز في ليبيا، على أن تتولى مراجعة حالات التوقيف التي جرت خارج الإطار القضائي.
وتهدف هذه الخطوة إلى محاصرة ظاهرة الاحتجاز التعسفي والانتهاكات الحقوقية التي لطالما شكا منها نشطاء حقوق الإنسان والمنظمات الدولية، خاصة مع تصاعد التقارير عن تجاوزات داخل مراكز الاحتجاز الخاضعة لسيطرة جماعات مسلحة.
دعم أممي وتحذير من عودة الاشتباكات
بعثة الأمم المتحدة أعربت في بيان رسمي عن “دعمها الفني” الكامل لعمل اللجنتين، مؤكدة أن عملهما يجب أن يتم وفق المعايير الدولية، وبما يتماشى مع ولاية البعثة في دعم الاستقرار والعدالة الانتقالية في البلاد.
وجددت البعثة تحذيرها من خطورة تجدد الاشتباكات في طرابلس، خاصة بعد الأحداث الدامية في مايو الماضي، والتي شهدت مقتل ما لا يقل عن 8 أشخاص نتيجة صدامات عنيفة بين مجموعات مسلحة نافذة.
خلفية الصراع: مليشيات أقوى من الدولة
في منتصف مايو، خرج رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بقرار وصف بـ”الجريء”، إذ أمر بتفكيك كافة المليشيات المسلحة في طرابلس، واصفًا إياها بأنها “أصبحت أقوى من مؤسسات الدولة”.
وكان مقتل عبد الغني الككلي، رئيس جهاز الدعم والاستقرار، الشرارة الأولى لانفجار الوضع، لتتبعها اشتباكات عنيفة بين القوات التابعة لحكومة الوحدة وقوات الردع، التي تتمتع بنفوذ واسع شرق طرابلس وتسيطر على مطار العاصمة وأكبر سجونها.
خارطة سياسية معقدة
الصراع في ليبيا لا يقتصر على طرابلس فحسب، فالدولة منقسمة بين حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليًا ومقرها في الغرب، وحكومة موازية في الشرق مدعومة من قبل قوات خليفة حفتر، ما يعقّد من جهود التوحيد والاستقرار.
ورغم المحاولات الدولية المتكررة لدعم مسار الحل السياسي، لا تزال ليبيا تفتقر إلى مؤسسات موحدة، وجيش وشرطة يخضعان لسلطة مدنية واحدة، وهو ما جعل من العاصمة مركزًا لصراعات النفوذ بين قوى متنافسة.
هل تنجح اللجنتان في كسر حلقة العنف؟
مع هذا التحرك الجديد من المجلس الرئاسي، ومع وجود دعم أممي واضح، يعلق الليبيون آمالهم على أن تسهم اللجنتان في بسط سلطة الدولة وإعادة الاستقرار إلى طرابلس، تمهيدًا لمصالحة وطنية شاملة تعالج جذور الأزمة السياسية والأمنية.
لكن يبقى التحدي الأكبر في قدرة هذه اللجان على تنفيذ توصياتها، في ظل انتشار السلاح وضعف المؤسسات، وسط ترقب حذر من الشارع الليبي لما ستؤول إليه الأوضاع في قادم الأيام.
ويبقى السؤال المطروح اليوم في ليبيا: هل تكون هذه اللجان نواة لحل شامل، أم مجرد حلقة جديدة في سلسلة المبادرات غير المكتملة؟
وحده الزمن، وتوافر الإرادة السياسية الفعلية، كفيلان بالإجابة.