أوضاع السكان الفلسطينيين في بلدة بروقين، كما في عشرات البلدات الأخرى بالضفة الغربية، تتجه نحو مزيد من التأزم بفعل سياسات الهدم والتجريف الإسرائيلية التي لا تترك مجالًا للاستقرار الإنساني أو الاجتماعي. إخطارات الهدم الثمانية التي تسلمها الأهالي في بروقين اليوم، والتي طالت ستة منازل مأهولة واثنين من البركسات الزراعية، ليست مجرد إجراء إداري، بل خطوة إضافية في معركة طويلة الأمد ضد الوجود الفلسطيني في المناطق المصنفة (ج)، والتي تشكّل نحو 60% من أراضي الضفة الغربية وتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية كاملة.
تهديد مستقبل العائلات
ما يثير القلق بشكل خاص هو أن المنازل المستهدفة ليست “مخالفة حديثة”، كما تدعي سلطات الاحتلال عادة، بل بعضها يعود بناؤه لعشرات السنين، ما يسلّط الضوء على الطابع الانتقائي والسياسي لهذه السياسات. الهدم لا يُستخدم فقط كأداة لمعاقبة الأفراد أو ردع البناء غير المرخص، بل كوسيلة لخلق بيئة طاردة للفلسطينيين عبر الضغط المتواصل والتهجير البطيء، مقابل التوسع الاستيطاني المتسارع في محيط البلدات الفلسطينية.
بالنسبة للسكان، فإن هذا النوع من الإخطارات ليس مجرد ورقة تُعلق على باب المنزل، بل إعلان حالة طوارئ داخلية تهدد مستقبل العائلة بأكملها. الأسر التي تضم أطفالًا وطلابًا ومسنين تجد نفسها في سباق مع الزمن لتفادي الكارثة، وسط غياب مسارات قانونية فعالة يمكن أن تُعيد شيئًا من الطمأنينة. والأخطر، أن هذه السياسة لا تأتي في سياق فردي، بل كجزء من هجمة أوسع تستهدف المنطقة الغربية من سلفيت، وهي من المناطق التي تُعتبر استراتيجية من الناحية الجغرافية لقربها من مستوطنات كبرى مثل “أريئيل”.
تورط النظام القضائي الإسرائيلي
من الناحية القانونية، فإن الفلسطينيين يحاولون الاستفادة من بعض المسارات، مثل التوجه إلى المحكمة العليا الإسرائيلية أو تقديم اعتراضات عبر منظمات حقوقية، لكن هذه الإجراءات غالبًا ما تنتهي بالفشل. النظام القضائي الإسرائيلي نفسه متورط في ترسيخ هذه السياسة، حيث يرفض غالبية الاعتراضات، أو يُماطل فيها حتى تُنفذ أوامر الهدم على الأرض. وفي أحسن الأحوال، يُصدر قرارات بتجميد مؤقت، لا تلبث أن تُلغى دون سابق إنذار.
البدائل القانونية شبه معدومة لأن جوهر المعضلة لا يتعلق بإثبات ملكية الفلسطينيين لأراضيهم، بل بأن سلطات الاحتلال لا تمنحهم التراخيص اللازمة للبناء من الأساس. وفقًا لتقارير أممية وحقوقية، فإن نسبة الموافقة على طلبات البناء في المناطق المصنفة (ج) للفلسطينيين لا تتجاوز 2%، ما يجعل من البناء “غير المرخص” الخيار الوحيد أمام الأهالي رغم علمهم بالمخاطر.
إدانات لفظية دون ردع حقيقي
في ظل هذه الظروف، يشعر الفلسطينيون أن حياتهم محكومة بجدران غير مرئية من الخوف والتشريد، إذ باتت منازلهم مهددة دائمًا، والزراعة – مصدر رزقهم – ملاحقة بالجرافات، والحياة اليومية معلقة على قرار إداري يُنفذ أحيانًا فجراً ودون إنذار. لا يوجد أمن سكني، ولا أفق قانوني واضح، ولا حتى ضمانة من المجتمع الدولي الذي اكتفى بالإدانات اللفظية دون ردع حقيقي للسياسات الإسرائيلية.
الهدم في بروقين ليس معركة قانونية بين دولة ومواطنين مخالفين، بل هو فصل جديد من سياسة تطهير زاحف، تُدار عبر أوامر بيروقراطية ظاهرها قانوني، وجوهرها تهجيري، والضحية فيها عائلات كاملة تُرمى في العراء تحت شعار “التنظيم والبناء”.