دخلت عناصر من الحرس الوطني إلى مدينة لوس أنجلوس صباح الأحد، بأمر مباشر من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، متحديًا إرادة حكومة الولاية. الحدث أعاد إلى الواجهة الجدل القديم حول حدود السلطة الفيدرالية في مواجهة حكومات الولايات، خاصة في أوقات الأزمات الاجتماعية التي تتخذ طابعًا سياسيًا وأمنيًا في آن معًا.
قرار رئاسي من خارج الأعراف الدستورية
الرئيس ترامب أعلن السيطرة الاتحادية على وحدات من جيش ولاية كاليفورنيا، وتوجيهها إلى ثاني أكبر مدن البلاد، مستندًا إلى صلاحيات الطوارئ التي تتيح للحكومة الفيدرالية التدخل في حال تهديد النظام العام. لكنّ قرار نشر القوات جاء خلافًا لرغبة حاكم الولاية غافين نيوسوم، الذي وصف الخطوة بـ”التحريضية”، معتبرًا أنها تتعارض مع روح التعاون بين المستويين الفيدرالي والمحلي.
هذا الانتشار يُعد الأول من نوعه منذ عقود من الزمن الذي يتم فيه نشر قوات الحرس الوطني في ولاية أميركية دون موافقة الحاكم المحلي، ما أثار ردود فعل متباينة بين مؤيدين لسياسات الضبط الأمني، ومعارضين لما وصفوه بـ”العسكرة غير الضرورية”.
بُعد الهجرة في الأزمة
الاحتجاجات التي اندلعت في لوس أنجلوس لم تكن عشوائية، بل جاءت ردًا على سلسلة مداهمات مكثفة نفذتها سلطات الهجرة الفيدرالية، والتي طالت مجتمعات مهاجرة، خصوصًا في الأحياء الجنوبية والشرقية من المدينة. وأثارت تلك العمليات مخاوف عميقة من تكرار سيناريوهات الترحيل الجماعي، لا سيما في أوساط الأسر المختلطة التي تضم أفرادًا بوضع قانوني غير مستقر.
وسرعان ما تطورت الاحتجاجات إلى مواجهات عنيفة بين متظاهرين وقوات الأمن، لا سيما قرب مجمّع الاحتجاز الاتحادي وسط المدينة، حيث تم تسجيل حوادث كرّ وفرّ استمرت ليومين متتالين.
الحرس الوطني في الميدان: مشهد مقلق للمدنيين
قُبيل فجر الأحد، بدأ أفراد من الحرس الوطني الانتشار في مناطق محددة بوسط لوس أنجلوس. وتجمعت وحدات قتالية تابعة للواء المشاة القتالي رقم 79 في محيط المباني الاتحادية، وبشكل خاص قرب مركز احتجاز متروبوليتان، أحد المواقع المركزية في التوتر الجاري.
صور نُشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل وزارة الدفاع الأميركية أظهرت عناصر الحرس وهم يحملون بنادق طويلة ويقفون إلى جانب مركبات مدرعة، في مشهد أثار قلق السكان المحليين وناشطي المجتمع المدني، الذين رأوا في الخطوة نوعًا من عسكرة الحياة المدنية.
في تلك الساعات الأولى، اقتصر الانتشار العسكري على منطقة صغيرة نسبيًا وسط المدينة، إلا أن رمزية الخطوة تجاوزت حدود الجغرافيا، لتصب في قلب النقاش الأميركي حول الهوية، والسلطة، والعلاقة بين الدولة الفيدرالية والمجتمع المحلي.
أبعاد سياسية أعمق من مجرد ضبط أمني
ما حدث في لوس أنجلوس لا يمكن قراءته فقط في سياق أمني محض، بل يحمل في طياته أبعادًا سياسية متشابكة. فقرار ترامب يتقاطع مع حملته الانتخابية التي طالما ركّزت على سيادة القانون وتشديد الهجرة، بينما يقف نيوسوم، بوصفه أحد أبرز وجوه الحزب الديمقراطي، في الضفة المعارضة لهذه السياسات.
الانقسام بين الطرفين يعكس انقسامًا أوسع داخل الولايات المتحدة بين تيارين؛ أحدهما يؤمن بالحسم الأمني كوسيلة لضبط الاحتجاجات، والآخر يرى أن المعالجة ينبغي أن تبدأ من جذور الأزمة: العدالة الاجتماعية، وسياسات الهجرة، ومكانة الأقليات.
المستقبل: هل نحن أمام سابقة دستورية؟
إذا استمرّ الانتشار العسكري من دون توافق مع سلطات الولاية، فقد نكون أمام سابقة ستثير نقاشًا قانونيًا ودستوريًا حادًا، خاصة إذا اتسع نطاق استخدام صلاحيات الطوارئ في المستقبل. وفي بلد مثل الولايات المتحدة، حيث التوازن بين السلطات ركيزة للنظام الديمقراطي، فإن مثل هذه الخطوات قد تعيد ترتيب أولويات العلاقة بين المركز والأقاليم.
وفي حين يرى مؤيدو القرار أن الأمن يعلو فوق الخلافات السياسية، فإن معارضيه يحذرون من انزلاق البلاد نحو ممارسات لا تتناسب مع قيم الحكم المدني والحريات العامة التي تقوم عليها الجمهورية الأميركية.